الأربعاء، 29 يوليو 2015

ابن حزم ونقوله عن الأشاعرة من كتابه الفِصَل في الملل والأهواء والنِحَل

ابن حزم
ونقوله عن الأشاعرة
من كتابه الفِصَل في الملل والأهواء والنِحَل

ابن حزم هو المحدث الفقيه الأصولي الظاهري علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي المتوفى سنة 456، صاحب كتاب المحلى وغيره.
له كتاب مشهور في العقائد وتاريخ الفرق سماه "الفِصَل في الملل والأهواء والنِحَل"، وهو من المراجع الهامة في هذا الباب.
كان المفترض في المؤلف أن يتحلى بالدقة والنزاهة والأمانة في نقوله عن أهل الأديان والفرق، وربما كان عنده من هذا شيء كثير، لكن يبدو أن له مع الأشاعرة مسلكا آخر.
ـ طريقة المحدثين عند النقل من الكتب السابقة أن يذكر المحدث ـ في المرة الأولى على الأقل ـ سنده إلى مؤلف الكتاب الذي ينقل منه، أي سند النسخة التي اعتمد عليها، فإن لم يفعل فقد سقط هذا المحدث سقطة عظيمة وسقطت بذلك كل النقول التي ينقلها من تلك النسخة.
يبدو أن ابن حزم ـ وهو المحدث الناقد للروايات ـ قد نسي أو تناسى هنا تماما كل ما يعرفه من وجوب التثبت، لأن الأمر هنا يتعلق بالأشاعرة، وكأنه نسي قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
وكأنه نسي كذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه وأبو عوانة عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه". وما رواه مسلم عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه". أي: إلا رجَع عليه.
ـ من أراد أن يعرف مدى ما عند هذا الرجل من التثبت في النقل فلينظر في قوله "يقول بعضُ الفقهاء وأتباعُه أن رجلا واحدا يكون ابنَ رجلين وابنَ امرأتين كل واحدة منهما أمه وهو ابنها بالولادة"!. ولا أدري كيف خطت يده مثل هذا؟!.
لو أن أحد الباحثين ألف كتابا في تاريخ الفقه الإسلامي ووقف على هذا النص وأدرجه في كتابه فهي طامة من الطامات.
ـ من الغرائب أن يقول ابن حزم: "قالت الأشعرية: ليس في العالم شيء له بعضٌ أصلا، ولا شيء له نصفٌ ولا ثلـُث ولا ربُع ولا خمُس ولا سدُس ولا سُبُع ولا ثمُن ولا تُسُع ولا عُشُرٌ ولا جزء أصلا"!.
هذه الكلمة تكفي لنعرف مدى ما يتصوره ابن حزم عن الأشاعرة!، ومن الممكن ـ من حيث الإمكان العقلي المجرد ـ أن يُقال لعل الأشاعرة أو بعضهم قد قالوا ذلك فعلا، ولكن المنهج القرآني يأمرنا بالتثبت والبحث عن مدى عدالة الناقل وضبطه، {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.
ومن الغرائب أن يقول: "ذهب الباقلاني وسائر الأشعرية إلى أنه ليس في النار حر ولا في الثلج برد ولا في الزيتون زيت ولا في العنب عصير ولا في الإنسان دم، وهذا أمر ناظرنا عليه من لقيناه منهم".
أنا لا أكذبه في دعواه أنه ناظر على هذا أناسًا أو ناظره عليه أناسٌ لقيهم وتوهَّمَ أنهم من الأشاعرة، ولكنه لم يسمِّ واحدا منهم على الأقل لنرى هل هو من الأشاعرة؟ وهل هو من علماء الأشاعرة أو من الجهلة الذين يلصقون أنفسهم بالمذهب الأشعري.

ـ اتهام ابن حزم للأشاعرة من حيث الاعتقاد في الله جل وعلا:
ذكر ابن حزم أشياء في العقيدة عن أبي الهُذيل والنظـَّام المعتزليين ولم ينس أن يضيف إليهم الأشاعرة في الاتهام، فقال: "أما أبو الهُذيل فجعل قدرة ربه تعالى متناهية بمنزلة المختارين من خلقه، وهذا من التشبيه حقا، وأما النظـَّام والأشعرية فكذلك أيضا، وجعلوا قدرة ربهم تعالى متناهية يقـْدر على شيء ولا يقدر على آخر، وهذه صفة أهل النقص".
السؤال الذي ينبغي أن يوجه لابن حزم وللذين اعتمدوا على مقولاته هو: أين الدليل من كتب الأشاعرة على أنهم يقولون بهذا؟!.

ـ اتهام ابن حزم للأشاعرة من حيث الاعتقاد في نبينا سيدنا محمد وسائر النبيين والمرسلين صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين:
قال ابن حزم: "فرقة مبتدعة تزعم أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ليس هو الآن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ذهب إليه الأشعرية".
أين الدليل على أن هذا القول قد ذهب إليه الأشعرية؟!، لا دليل، بل هو كذب وافتراء.
لا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وأن رسالته باقية إلى قيام الساعة.
قال تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى: "إنكار الرسالة بعد الموت معزوة إلى الأشعري، وهي من الكذب عليه، بل صرح بخلافها، وكتبه وكتب أصحابه قد طبقت طبَقَ الأرض وليس فيها شيء من ذلك، بل فيها خلافه، ومن عقائدنا أن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم فأين الموت؟!، وقد أنكر الأستاذ أبو القاسم القشيري في كتابه شكاية أهل السنة هذه وبيَّن أنها مختلقة على الشيخ، وكذلك بيَّن ذلك غيرُه، واشتد نكير الأشاعرة على مَن نسب هذا القول إلى الشيخ وقالوا قد افترى عليه وبهَته".
ـ قال ابن حزم في كتاب الفِصل: "قال الباقلاني: جائز أن يكون في الناس من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث بُعث بالنبوة إلى أن مات". ثم نقل عن أبي جعفر السمناني وهو من أصحاب الباقلاني مثلَ ما نقل عن شيخه الباقلاني.
لا أملك ما أقول سوى أن هذا كذب مفضوح وجراءة عظيمة، ولا أدري ما أقول في ابن حزم بعد هذا. واللهُ الموعد.
ـ وقال ابن حزم: [اختلف الناس في هل تعصي الأنبياءُ عليهم السلام أم لا؟ فذهبت طائفة إلى أن رسل الله صلى الله عليهم وسلم يعصون الله في جميع الكبائر والصغائر عمدا حاشا الكذبَ في التبليغ فقط، وهذا قول الكرامية من المرجئة وقولُ ابن الطيب الباقلاني من الأشعرية ومن اتبعه، وأما هذا الباقلاني فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني قاضي الموصل أنه كان يقول "إن كل ذنب دقَّ أو جلَّ فإنه جائز على الرسل حاشىا الكذبَ في التبليغ فقط"، قال "وجائز عليهم أن يكفروا"، قال "وإذا نهى النبي عليه السلام عن شيء ثم فعله فليس ذلك دليلا على أن ذلك النهي قد نُسخ لأنه قد يفعله عاصيا لله عز وجل"، قال "وليس لأصحابه أن ينكروا ذلك عليه"].
هذا الكلام المنقول عن الإمام الباقلاني رحمه الله هو محض كذب وافتراء، لا شك في ذلك. {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا}.

ـ اتهام ابن حزم للأشاعرة في موضوع التكفير:
ـ قال ابن حزم: "الطائفة القائلة إن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبَدَ الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليبَ وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، وهذا قول جهم بن صفوان وقول أبي الحسن الأشعري وأصحابهما".
وقال ابن حزم كذلك: "وأما الأشعرية فقالوا إنَّ شتْمَ مَن أظهر الإسلامَ لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم وإعلانَ التكذيب بها باللسان بلا تقيةٍ ولا حكايةٍ والإقرارَ بأنه يدين بذلك ليس شيء من ذلك كفرا، ثم خَشُوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم فقالوا لكنه دليل على أن في قلبه كفرا".
أقول: بل هذا كفرٌ قطعا، لأن من يقوله ليس في قلبه إيمان صحيح قطعا، ومثل هذا الكلام لا يصْدر إلا عمن عشش الكفر في قلبه، إما كفر الجحود، وإما كفر الاستخفاف المنافي لتعظيم الخالق جل وعلا.
إنها أكاذيبُ وافتراءات! ينقلها ابن حزم دون تثبت من صحة النقل. ويقول بعدها عن الأشاعرة ثم خَشُوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم فقالوا لكنه دليل على أن في قلبه كفرا"!!.
وددت لو نبهه بعض تلاميذه وقالوا له: هل يجوز لك شرعا أن تتهم كبار علماء الإسلام بهذا دون تثبت؟!!، وهل أعطاك المولى جل وعلا علم الغيب فشققتَ عن قلوبهم وعلمت أنهم يسمون الكفر الصراح إيمانا ثم خَشُوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم فقالوا لكنه دليل على أن في قلبه كفرا؟!!.
أظن أن ابن حزم قد جاءه بعض الكذابين فنقل له مثل تلك المفتريات فصدقها ونقلها في كتابه دون تثبت، والله أعلم بغيبه.
ومن أراد أن يعرف ما إذا كانت تلك المقولات مما يمكن أن تصح نسبتها للإمام الباقلاني رحمه الله أو لا فليقرأ كتبه، فالرجل وعلمُه وكتبه والنقول عنه أشهر من نار على علم، ومن كتبه في العقيدة "الإنصاف"، و"تمهيد الأدلة".
ثم قال ابن حزم: [أخبرني علي بن حمزة المراوي الصقلي الصوفي أن بعض الأشعرية يبطح المصحف برجله، قال: فأكبرتُ ذلك وقلت له ويحك هكذا تصنع بالمصحف وفيه كلام الله تعالى؟!. فقال لي: ويلك والله ما فيه إلا السُخَام والسواد، وأما كلام الله فلا. وكتب إلي أبو المرجى بن رزوار المصري أن بعض ثقات أهل مصر أخبره من طلاب السنن أن رجلا من الأشعرية قال له مشافهة "على من يقول إن الله قال قل هو الله أحد الله الصمد ألف لعنة"].
الأشاعرة وسائر المسلمين يقولون: إن الذي قال {قل هو الله أحد الله الصمد} هو الله سبحانه وتعالى، والذي اتهم الأشاعرة بذلك البهتان هو من الكاذبين، والله جل وعلا يقول {ألا لعنة الله على الكاذبين}.

ـ تمحيص المرويات يعتمد على نقد السند ونقد المتن:
فأما نقد السند فهو أن نقول: كل قول يُعزى لأحد بسند ضعيف أو تالف أو بدون إسناد فهو غير مقبول، لأن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وأما نقد المتن فهو أن تنظر فيما كتبه علماء الأشاعرة وفي هذا المنسوب إليهم وتتفكر في نفسك: هل من يكتب هذه المؤلفات القيمة في العقيدة والتفسير والحديث والفقه والأصول يكتب هذه الأقوال الكفرية الشنيعة؟!!.
ـ وفي الختام أقول: أما في الدنيا فليقلْ خصوم الأشاعرة ما يشاؤون، فاليوم عملٌ ولا حساب، وأما في الآخرة فليستعدوا للعرض الأكبر بين يديْ من لا تخفى عليه خافية، فذاك يوم الحساب ولا عمل.
ـ لا شك في أن تلك الأقوال التي حاول الوضاعون اتهام الأشاعرة بها هي محض كذب وافتراء، ولكن هذا لا يعني أن ابن حزم هو الذي فعل ذلك وأنه يبوء بذلك الإثم الكبير والبهتان العظيم.
إلا أن تساهله في نقلها مع السكوت عليها لا يعفيه من التبعة والمسؤولية، وكذا كل من نقل شيئا من ذلك تصريحا أو تلميحا دون الدفاع عن أعراض أولئك الأئمة الأعلام. والملتقى بين يديْ أحكم الحاكمين.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 8/ 8/ 1436، الموافق 26/ 5/ 2015، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على عبده ورسوله سيدنا محمد وسلم.

الخميس، 23 يوليو 2015

علماء سوريا ليس لهم رأس

قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم: قيل لأبي حنيفة رحمه الله: في المسجد حلقة يتناظرون في الفقه. فقال: ألهم رأس؟. قالوا: لا. قال: لا يفقهون أبدًا.
أقول:                               
وعلماء سوريا اليوم هم كذلك، ليس لهم رأس، فإذا استمروا على ما هم عليه فالظاهر أنهم لا يصلون إلى البغية أبدا. 

الاثنين، 20 يوليو 2015

سؤال من رسائل المتابعين: الامر والارادة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الكريم... أرسل لي صاحبي..حكمة..تمنى إبراهيم أن يسلم أبوه ولم يشأ الله، وتمنى نوح أن يسلم ابنه ويأبى الله، وتمنى محمد صلى الله عليه وسلم أن يسلم عمه ولم يكتب الله له الهداية..وجعلني وإياك من المسلمين...الخ قلت له: حاشا لله أن يأبى إسلام عباده أو يريد لأحد منهم الكفر.. فقال : هناك فرق بين الامر والارادة ..فقد يأمر ويريد كإيمان الصديق..وقد يأمر لا يريد كإيمان أبي جهل... قلت له: فإن قال أبو جهل لربه: أنا لم أسلم لأنك لم ترد لي الإسلام؟؟ شيخنا الكريم في القرآن آيات كثيرة عن الإرادة والمشيئة والهداية ...ولي سؤالان: ما هو مفهوم المشيئة والإرادة والهداية والأمر ...الخ كتاب في العقيدة لطلاب العلم.




هنالك فرق بين الأمر وبين الإرادة-
والكافر سيقول لله جل وعلا لو أردتَ إيماني لآمنت
ولكن لا حجة له في ذلك البتة
والله جل وعلا سيقيم الحجة على الكافر حتى يعلم أنه لا حجة له في قوله ذلك
وعلمنا لا يحيط بعلم الله تعالى وحكمته إلا بالقدر الضئيل الضئيل الذي كشفه لنا 
ونقول للكافر: علم الله تعالى محيط بكل شيء بما كان وما يكون وما سيكون 
ومِن علمه في الأزل أنه سيخلق عبده فلانا وسيعطيه العقل والفهم والتمييز وحرية الاختيار وسيرسل إليه رسولا وسيجحد بما أرسل الله إليه فكتب عليه وقضى وقدر بما علمَ اللهُ تعالى في الأزل ما سيختاره ذلك العبد
وعندما خلقه وأخرجه إلى عالم الوجود اختار وعمل كل ما هو في صحف القضاء بالضبط تماما لأن قضاء الله وإرادته هي حسب علمه وعلمه أزلي لايكون شيء في الوجود بخلاف ذلك العلم ولا بمثقال ذرة
"قال ربنا جل وعل: " قل فلله الحجة البالغة

-
الأصل الأصيل في العقيدة هو كتاب الله عز وجل وقراءة الآيات الكريمة بصدق وإخلاص مع الله عز وجل  وخاصة الآيات المتعلقة بالله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى
وكذا الأحاديث النبوية الثابتة
ولا بد من معرفة قدر صالح من اللغة العربية وبلاغتها لئلا تـُفهم نصوص الكتاب والسنة على غير طرائق العرب في البيان
ثم يأتي كلام أهل العلم، وكتبهم كلها فيها خير إن شاء الله
ومن أراد أن يطلع على كتابات أخيه صلاح الدين فليقرأ فيها قراءة هادئة واعية مستبصرة
فما فيها وله دليل مقبول يؤيده فليأخذ به وإلا يكن كذلك فليضرب به عرض الحائط


الأربعاء، 15 يوليو 2015

سؤال : ماذا اذا كان العيد الجمعة هل صلاة الجمعة تسقط في المسجد ؟

السلام عليكم ورحمة الله
إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فإن أي واحد منهما لا يغني عن الآخر وهذا قول الجمهور
رخص النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الناس أن يصلوا صلاة العيد وأنها تغني عن صلاة الجمعة، ولكن لمن كان هذا؟؟
هذا لأهل المناطق الميطة بالمدينة الذين يأتون من مواضعهم خارج البلد فيصلون صلاة العيد، ولو طُلب منهم الحضور لصلاة الجمعة لشق ذلك عليهم، وليس لأهل البلد

سؤال : الفطرة من أجل السوريين المقيمين في تركيا كيف يتم حسابها وهل يجوز إرسالها إلى سوريا وشكراً وقدرها على الشخص?

السلام عليكم ورحمة الله
زكاة الفطر يؤديها المسلم عنه وعن كل فرد من أفراد أسرته ولو كان عمره يوما واحدا ليلة العيد
مقدارها ما لا يقل عن ثلاثة دولارات عن كل فرد    وإن زدتَ فهو خير لك
ليتحقق سد الحاجة بصورة أفضل
الأولى إخراجها قبل يوم العيد في أشد بلاد المسلمين فقرا وحاجة واضطرارا
أظن أنه لا يوجد الآن مكان هو أولى من سوريا

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

الحوار الثاني حول حديث "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"

الحوار الثاني حول حديث "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"

قرأ أحد الإخوة الكرام ما كتبتُه من تضعيف حديث "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين" فقال معلقا على كلامي:
[في كلامه ملاحظات يطول تفصيلها، لكن من أهمها: الخلل المنهجي المتمثل بإقامة القرائن ـ التي يستند إليها حيث لا دليل ـ مقام اﻷدلة الصريحة، فهنا تصريح سفيان بالسماع وهو ثقة إمام جليل دليل على اللقي، ومعارضته بأن خمسة لم يصرحوا بالسماع فيه خلل، فالعنعنة لا تعارض السماع أصلا ﻷنها تحتمله، فإذا ورد السماع بطريق صحيح حُملت العنعنة عليه، أما النظر في وفيات شيوخ الحسن من البصريين فاستدلال جيد إجمالا، لكنه لا يعدو كونه قرينة تاريخية يُلجأ إليها حيث لم يرد دليل صريح، بخلاف ما هنا، حيث ورد تصريح سفيان بن عيينة بالسماع صريحا، واعتمده البخاري وهو صاحب شرط ثبوت اللقي، كذلك استند على أن الحسن لم يسمع من أبي بكرة كونه كان كاتبا للربيع في خراسان، وأنه لم يجد من نص على أنه ترك الكتابة له قبل وفاته سنة 51، وهذا استدلال بعدم الوجدان! وهو لا يدل على عدم الوجود، فهل ثبت لديه مَن نص على استمرار الكتابة له أيضا؟!، ثم على فرض أنه استمر كاتبا له ألا يمكن أن يحج أو يعتمر فيلقى أبا بكرة؟. والحاصل أن الخلل في منهجه كما قلت هو رد الصريح بالمحتمل وعدم تنزيل الأدلة على مراتبها].
أقول للأخ الكريم:
جزاك الله خيرا على ما قدمتَ وكتبتَ، وخاصة في حرصك وتأكيدك على المنهج، وهذا أمر طيب، لأنه ينبغي تصحيح المنهج ومعالجة الخلل المنهجي أولا ثم البحث في التطبيق.
* مقدمة حول تنوع المنهج في مثل هذا عند المشتغلين بالحديث:
المشتغلون بالحديث الشريف وعلومه عندما يتحدثون عن المنهج ينبغي أن يلاحظوا أن المنهج هنا على نوعين:
الأول هو المنهج الناقد، وهو معرفة حال ظاهر الإسناد مع الاهتمام بمعرفة العلل والشذوذ، وهو الذي كان عليه كبار أئمة المحدثين النقاد، وهذا يهتم بحال ظاهر الإسناد ولا يلغي دلالة القرائن على الإعلال أو الشذوذ.
الثاني هو المنهج الظاهري، وهو معرفة حال ظاهر الإسناد مع الإعراض عن معرفة العلل، وهو الذي يمشي عليه المتأخرون غالبا، وهذا يهتم بحال ظاهر الإسناد ولا يلقي بالا لدلالة القرائن على الإعلال أو الشذوذ.
مثال:
قال أبو عبد الله الحاكم عن أحد الأحاديث في كتابه معرفة علوم الحديث: "هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإسناد والمتن، لا نعرف له علة نعلله بها، فنظرنا، فإذا الحديث موضوع، وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون، قال محمد بن إسماعيل البخاري: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟!. فقال: كتبته مع خالد المدائني. قال البخاري: وكان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ".
فهذا كلام بعض الأئمة النقاد في هذا الحديث، وأعله كذلك: أبو حاتم الرازي وأبو داود والترمذي والخطيب البغدادي والبيهقي.
وجاء بعض الناس من بعدهم فصحح الحديث وقال: "الإسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد أعله الحاكم بما لا يقدح في صحته". وهذا كلام المشتغلين بالحديث على الطريقة الظاهرية.
فكلام البخاري والحاكم على هذا الحديث ـ عند هذا المتأخر ـ لا يُلتفت إليه، حتى وإن أيدته أقوال أبي حاتم الرازي وأبي داود والترمذي والخطيب البغدادي والبيهقي وغيرهم، لأنه يخالف حال ظاهر الإسناد.
وعلى مثل هذا المنهج الظاهري يمكن تنزيل كلام الأخ الكريم المعترض على كلامي حيث يقول: "الخلل المنهجي المتمثل بإقامة القرائن التي يستند إليها حيث لا دليل مقام اﻷدلة الصريحة".
* قال الأخ المعلق:
"فهنا تصريح سفيان بالسماع وهو ثقة إمام جليل دليل على اللقي، ومعارضته بأن خمسة لم يصرحوا بالسماع فيه خلل، فالعنعنة لا تعارض السماع أصلا ﻷنها تحتمله، فإذا ورد السماع بطريق صحيح حُملت العنعنة عليه".
أقول:
روى البخاري حديث "إن ابني هذا سيد" من طريق سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن البصري أنه قال: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". ثم نقل البخاري عن شيخه علي بن المديني أنه قال: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبى بكرة بهذا الحديث.
المنهج الظاهري يقول بأن السند الذي ظاهره الصحة يجب أن يكون مقبولا بما فيه، وأنه لا يضيره أن تأتي الطرق الأخرى وفيها اختلاف عن بعض ما فيه إلا إذا كان الاختلاف اختلافَ تعارض، وهذا ما مشى عليه الأخ الكريم، حيث يؤكد على هذا المعنى بقوله: "ومعارضته بأن خمسة لم يصرحوا بالسماع فيه خلل، فالعنعنة لا تعارض السماع أصلا ﻷنها تحتمله، فإذا ورد السماع بطريق صحيح حُملت العنعنة عليه".
وأما منهج الأئمة النقاد فهو غير هذا، إذ يرون أن السند الذي ظاهره الصحة لا يجب أن يكون دائما مقبولا بكل ما فيه، وأنه قد يؤثر عليه أو على بعض أجزائه أن تأتي الطرق الأخرى وفيها اختلاف عنه أو عن بعض أجزائه، وليس الاختلاف المؤثر عندهم دائما هو اختلافَ تعارض، بل إذا ورد التصريح بالسماع من طريق راو ثقة وجاءت عدة طرق عن شيخ ذلك الراوي بالعنعنة صار التصريح بالسماع ـ حسب منهج هؤلاء ـ فيه نظر، أما إذا جاءت عدة طرق عن شيخ ذلك الراوي وعن شيخ شيخه بالعنعنة فإن التصريح بالسماع ـ عندهم ـ يصبح بغلبة الظن وهَما من الأوهام.
وهذه بعض الأمثلة من كلامهم ليتضح منهجهم في هذه النقطة:
1 ـ روى ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم أنه قال عن بعض الأحاديث المروية عن عائشة رضي الله عنها: سمعت أبا عبد الله أحمد ابن حنبل وذكَرَ حديثَ خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة، فقال: مرسل. فقلت له: "عراك بن مالك قال سمعت عائشة"!. فأنكره وقال: عراك بن مالك من أين سمع عائشة؟!، إنما يروي عن عروة، هذا خطأ. ثم قال لي: من روى هذا؟!. قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء. فقال: [رواه غير واحد عن خالد الحذاء ليس فيه "سمعت"، وقال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه "سمعت"].
هذا الحديث رواه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك أنه قال سمعت عائشة، ولم يأبه الإمام أحمد لهذا الطريق الذي جاء فيه "عن عراك بن مالك أنه قال سمعت عائشة"، للقرائن التي تدل عنده على أن عراك بن مالك لم يسمع منها، ومن تلك القرائن أن عددا من الرواة رووه عن حماد بن سلمة وعددا من الرواة رووه عن خالد الحذاء كذلك وكلهم لم يذكروا السماع بين عراك بن مالك وعائشة.
أما على المنهج الذي يتبناه الأخ المعلق فكان ينبغي أن يُرد على ابن حنبل وابن أبي حاتم! وأن يُقال لهما: "العنعنة لا تعارض السماع أصلا ﻷنها تحتمِله، فإذا ورد السماع بطريق صحيح حُملت العنعنة عليه".
2 ـ نقل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن حجر في تهذيب التهذيب عن الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله أنه قال: [كان مبارك بن فضالة يرفع حديثا كثيرا، ويقول في غير حديث "عن الحسن قال حدثنا عمران"، "قال حدثنا ابن مغفل"، وأصحاب الحسن لا يقولون ذلك]. فهذا من حيثيات التضعيف.
وعلى المنهج الذي يتبناه المعلق كان ينبغي أن يُرد على ابن حنبل وابن أبي حاتم وابن حجر!.
3 ـ قال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عن حديث رواه أبو داود الطيالسي عن همَّام عن قتادة عن عزرة عن الشعبي أنه قال أخبرني أسامة بن زيد. فقال أبي: "هذا خطأ، الشعبي لم يسمع من أسامة شيئا فيما أعلم". [همام بن يحيى كان ثبتا في قتادة].
4 ـ قال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء بن زبر أنه سمع أبا سلام الأسود قال: سمعت عمرو بن عبسة. فقال أبي: "ما أدري ما هذا؟! لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئا، إنما يروي عن أبي أمامة عنه".
فعُلم من منهج الأئمة أنه لا يُنكر الحكم بتخطئة السماع الوارد في الأسانيد ـ حتى ولو كان ظاهرها الصحة ـ إذا كان هناك قرائن تدل عليه.
* قال المعلق:
"ورد تصريح سفيان بالسماع صريحا، واعتمده البخاري وهو صاحب شرط ثبوت اللقي".
وكأن البخاري إذا اعتمد القول بإثبات السماع فإنه لا يصح ـ عنده ـ أن يُعترض عليه!.
أقول:
الإمام البخاري مكانته كبيرة ودرجته في الحفظ والمعرفة عالية، ولكنه بشر يخطئ ويصيب، ومن الممكن أن يُعترض عليه، فإذا أثبت سماعَ راو من راو آخر فلا بد من مراجعة القرائن وأقوال غيره من أهل العلم، فإذا كانت تخالف ما قاله فلا مانع من المصير إلى ما يخالف قوله.
وهذه بعض الأمثلة على أوهامه في ذكر السماع:
المثال الأول: قال البخاري في التاريخ الأوسط: القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي، سمع عليا وابن مسعود.
وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل: روى عن علي مرسلا وابنِ مسعود مرسلا.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: أرسل عن علي وابن مسعود.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: أرسل عن علي وابن مسعود، وذكر البخاري أنه سمع عليا وابن مسعود، فوهِم.
ولو نظرنا في القرائن لوجدناها تؤيد ما قاله أبو حاتم وابن عساكر والذهبي، وإليك البيان:
القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي مات سنة 112.
من أقدم من أدركهم القاسم من الصحابة سهل ابن الحنظلية الذي مات بدمشق في صدر خلافة معاوية.
هذا وقد قال القاسم "قدم علينا سلمان الفارسي دمشق"، وسلمان مات بالمدائن سنة 34 أو 36، وقوله "قدم علينا دمشق" يحتمِل أنه قدم على قومه وأنه لم يره ويحتمِل أنه رآه، فإن كان مراد القاسم أنه رآه فنفترض أن ذلك كان سنة 32 مثلا وأن القاسم كان في الثامنة من عمره فيكون القاسم قد عاش نحوا من 88 عاما، وإن كنت لم أجد من نص على أنه من المعمرين، ولكن الاحتمال قائم وفيه بُعد.
فإن كان هذا الاحتمال مقبولا في سلمان وقدومِه دمشقَ فإنه لا يمكن أن يُقبل في علي رضي الله عنه الذي توفي سنة 40 وفي ابن مسعود رضي الله عنه الذي توفي سنة 32 وما قدم واحد منهما إلى دمشق!.
وهذا يعني أن الإمام البخاري رحمه الله قد وهِم في قوله إن القاسم بن عبد الرحمن سمع عليا وابن مسعود.
المثال الثاني: قال البخاري في التاريخ الكبير: خالد بن اللجلاج أبو إبراهيم العامري، شامي، سمع عمر بن الخطاب. وتابعه على ذلك أبو أحمد الحاكم في كتاب الأسماء والكنى.
ولم يذكر مسلم في كتاب الكنى روايته عن عمر، وقال أبو حاتم في كتاب الجرح والتعديل والمزي في تهذيب الكمال: روى عن عمر رضي الله عنه مرسلا. وقال ابن حبان في الثقات: يروي عن عمر بن الخطاب وأبيه وعبد الرحمن بن عائش.
وترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام فيمن ماتوا بعد سنة 110، وقال: "سمع أباه وعبد الرحمن بن عائش وقبيصة بن ذؤيب، وقد أرسل عن عمر وابن عباس، وقال البخاري سمع من عمر، والبخاري ليس بالخبير برجال الشام، وهذه من أوهامه". وإذا كان خالد بن اللجلاج قد مات بعد سنة 110 فوفاته بعد وفاة عمر رضي الله عنه بثمانية وثمانين عاما على الأقل.
ـ فإذا وجدنا أن البخاري قال سمع فلان من فلان فهو صحيح في الغالب، وهو قرينة من القرائن، ولا ينبغي أن يُعتمد دليلا إلا بعد المراجعة والتأكد.
وهذا بخلاف ما قد يتوهمه بعض طلاب العلم من أن مجرد وجود رواية فلان عن فلان في صحيح البخاري هو دليل على لقيه إياه وسماعِه منه!، لأن البخاري وهو صاحب شرط ثبوت اللقي ـ عندهم ـ لا يرويه هكذا في صحيحه إلا بعد التأكد من اللقي!، وبخلاف ما يتوهمونه من أنه إذا نص البخاري على سماع فلان من فلان فهذا دليل أقوى على إثبات اللقي والسماع!.
وتبين بما قدمته أن مثل هذه التوهمات ليس لها أساس علمي مبني على الاستقراء، وأن ما يظنونه دليلا هو مجرد قرينة، ولا يرقى لمرتبة كونه دليلا بحال من الأحوال.
وبما تقدم يكون ما تخيله المعترض دليلا وأنه يجب اعتماده وتقديمه على القرائن قد سقط تماما، لأنه لا يقوم على أساس من منهج الأئمة النقاد.
* قال المعترض عني:
"استند على أن الحسن لم يسمع من أبي بكرة كونه كان كاتبا للربيع في خراسان، وأنه لم يجد من نص على أنه ترك الكتابة له قبل وفاته سنة 51، وهذا استدلال بعدم الوجدان! وهو لا يدل على عدم الوجود، فهل ثبت لديه مَن نص على استمرار الكتابة له أيضا؟!، ثم على فرض أنه استمر كاتبا له ألا يمكن أن يحج أو يعتمر فيلقى أبا بكرة؟".
أقول:
ـ ما جاء على الأصل لا يُسأل عنه، والمطالـَب بالدليل هو من كان قوله بخلاف الظاهر.
ـ قال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: سئل أبي عن ابن سيرين: سمع من أبي الدرداء؟. فقال: قد أدركه ولا أظنه سمع منه، ذاك بالشام وهذا بالبصرة. ونقله عنه العلائي في جامع التحصيل وابن رجب في شرح العلل وأبو زرعة العراقي في تحفة التحصيل وابن حجر في تهذيب التهذيب.
فعلى المنهج الذي يتبناه المعلق كان ينبغي أن يُرد على أبي حاتم الرازي وابنه والعلائي وابن رجب وأبي زرعة العراقي وابن حجر! وأن يُقال لهم: "ألا يمكن أن يحج أو يعتمر فيلقى أبا الدرداء؟".
ـ وهذه بعض النبذ المفيدة في أحكام الأئمة بعدم السماع:
روى ابن أبي حاتم في المراسيل عن الإمام أحمد أنه قال: لم يسمع الحسن من ابن عباس، إنما كان ابن عباس بالبصرة واليا أيام علي رضي الله عنهم. وروى نحوه عن علي بن المديني. أي: وكان الحسن البصري وقتها بالمدينة ولم يكن قد قدم إلى البصرة بعد.
وروَى عن علي بن المديني أن الحسن لم يسمع من الأسود بن سريع، فذُكر له رواية المبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع أنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إني حمدت ربي بمحامد، وفيها "أخبرني الأسود"، فلم يعتمد عليٌّ المباركَ في ذلك.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول وذكر حديثا حدثه مسلم بن إبراهيم حدثنا ربيعة بن كلثوم قال سمعت الحسن يقول حدثنا أبو هريرة قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، قال أبي: لم يعمل ربيعة بن كلثوم شيئا، لم يسمع الحسن من أبي هريرة شيئا. فقلت لأبي: إن سالما الخياط روى عن الحسن قال سمعت أبا هريرة!. فقال: هذا ما يبين ضعف سالم.
ثم إن هذه مجرد قرينة، وليست هي المستندَ في أن الحسن لم يسمع من أبي بكرة، والمستند في ذلك ـ بالإضافة إلى القرائن ـ هو قول ابن معين والدارقطني رحمهما الله بأنه لم يسمع منه، مع ظهور ضعف الحجة التي استند إليها علي بن المديني والبخاري رحمهما الله في إثبات سماع الحسن منه.
فأما حجة البخاري وشيخه ابن المديني فهي قول البخاري في صحيحه تعقيبا على رواية سفيان بن عيينة لحديث "إن ابني هذا سيد" المصرحة بسماع الحسن من أبي بكرة، فقد قال البخاري عقب هذه الرواية: قال لي علي بن عبد الله: "إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث". وتأمل كلمة "إنما" التي استعملها علي بن المديني هنا، وهي للحصر.
وأما بيان ضعف هذه الحجة فهو ما ذكرته في البحث من أن حسينَ بن علي الجعفي قد سمع هذا الحديث من أبي موسى إسرائيل بن موسى الذي سمعه منه ابن عيينة، وأن رواية أبي موسى هي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ذكر الصحابي أصلا، فضلا عن التصريح بسماع الحسن له من ذلك الصحابي، وأن حسينا الجعفي هو الذي أدخل سفيان بن عيينة على أبي موسى يوم سمعا هذا الحديث منه، مع جزمه بأن ابن عيينة لم يحفظه ووهِم في روايته إذ وصله بذكر أبي بكرة فيه، لأن أبا موسى إنما رواه عن الحسن بالإرسال.
ورفْض هذا البيان الواضح الجلي مكابرة.
ـ المحدثون يعولون كثيرا على القرائن، وخاصة في الإعلال، ومن شاء فلينظر في كتب العلل، ولعل الأقرب لمن يريد البحث السريع كتاب النكت على ابن الصلاح لابن حجر.
ـ ولا تنس أن الروايات في الحديث وفي علوم الحديث هي تاريخ، والتاريخ يقوم على جمع القرائن والنظر فيها للوصول إلى غلبة الظن، وكلما كثرت القرائن الدالة على أمر ما كلما قوي الظن بثبوته، إلى أن يصل الأمر لدرجة الجزم ثم اليقين.
ومن منهج التاريخ أن لا نغفِل الاحتمالات، لكن الاحتمالات التي يُعول عليها هي الاحتمالات القريبة في واقع حياة الإنسان، وليست الاحتمالات العقلية المجردة.
ـ فإن قيل: روى ابن أبي حاتم عن محمد بن سعيد بن بلج الرازي المقرئ عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم أنه سمع جرير بن حازم يسأل بهز بن أسد عن الحسن مَن لقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمع من ابن عمر حديثا، وسمع من عمران بن حصين شيئا، وسمع من أبي بكرة شيئا. فهل هو حجة في إثبات سماع الحسن من أبي بكرة؟.
فأقول: السند لا بأس به، وبهز بن أسد بصري ثقة مات سنة 200 تقريبا، وهو من شيوخ يحيى بن معين الذي هو أحد مَن نفى سماع الحسن البصري من أبي بكرة، والقرائن تشير لتأييد قول ابن معين، وربما بنى بهز قوله على مثل ما بنى عليه ابن المديني والبخاري قولهما.
* إشكال وجواب:
قد يقول قائل: روى النسائي في السنن الكبرى والصغرى ـ ومن طريقه البيهقي ـ عن حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم عن الحسن البصري، أن أبا بكرة حدثه أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصا ولا تعد". وهذا إسناد ظاهره الصحة عن الحسن البصري رحمه الله يصرح فيه بأن أبا بكرة حدثه بهذا الحديث.
أقول:
هكذا جاء لفظ الأداء في سنن النسائي والبيهقي، ولا بد من البحث للتأكد من صحة هذا اللفظ، لأنه قد يكون وهَما من راويه، فلا بد من تخريج الحديث لمعرفة طرقه ومقارنة اختلاف ألفاظ الرواة إذا كان فيها اختلاف.
هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي والبخاري في جزء القراءة والبزار وابن الأعرابي في معجمه والطبراني في الصغير من طريق أبي حرة واصل بن عبد الرحمن ويونس بن عبيد والربيع بن صَبيح وهشام بن حسان وأحد الطريقين عن عنبسة بن أبي رائطة الأعور، خمستهم عن الحسن عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، هكذا موصولا وليس فيه لفظ التحديث.
ورواه ابن حنبل ومحمد بن الحسن الشيباني في موطئه وابن حبان من طريق قتادة بن دعامة والمبارك بن فضالة وأحد الطريقين عن عنبسة بن أبي رائطة الأعور، ثلاثتهم عن الحسن أن أبا بكرة دخل المسجد والإمام راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، هكذا مرسلا.
وبقيت رواية زياد بن حسان الأعلم عن الحسن البصري والتي فيها محل الإشكال فأقول:
ورواه ابن حنبل والطحاوي في معاني الآثار ومشكل الآثار والبيهقي من طرق عن حماد بن سلمة، وابنُ حنبل والبخاري في صحيحه والبيهقي من طرق عن همَّام بن يحيى، وابنُ حنبل والبزار وابن الجارود من طريقين عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، وابنُ حبان من طريق أحمد بن المقدام العجلي عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة، أربعتهم عن زياد بن حسان الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، هكذا موصولا وليس فيه لفظ التحديث.
وههنا أقول: رواية النسائي لهذا الحديث "عن حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم عن الحسن البصري أن أبا بكرة حدثه" مخالفة لكل تلك الروايات السابقة، فلا شك في أنها غير محفوظة، والأئمة يحكمون بمثل هذا الحكم بأقل من تلك القرائن.
ومما يزيد التأكيد على حصول الوهَم في هذه الرواية: روايةُ أبي داود للحديث في سننه من هذا الطريق عينه، فقد رواه "عن حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم عن الحسن البصري أن أبا بكرة حدَّث أنه دخل المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع"، فالرواية الصحيحة الموافقة لمعنى ما رواه الجماعة هي "أن أبا بكرة حدَّث"، وليست بلفظ "أن أبا بكرة حدثه"، وشتان ما بينهما.
وبهذا ظهر جليا جواب الإشكال وأنه لا حجة البتة بهذه الرواية التي تثبت سماع الحسن البصري من أبي بكرة.
ـ كنت قد خرجت هذا الحديث من طريق أحد عشر راويا رووه عن الحسن البصري، وأضيف إليهم اليوم راويا فاتني التخريج من طريقه من قبل، هو جعفر بن حيان، فصار عدد رواته عن الحسن اثني عشر راويا.
فقد رواه الطبراني في المعجم الأوسط عن أحمد بن محمد ابن صدقة، ورواه في المعجم الكبير عن أحمد بن عبد الله البزار التستري، كلاهما عن عبيد الله بن يوسف الجبيري عن محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا أبو الأشهب عن الحسن عن أبي بكرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما: "إن ابني هذا سيد، وإني أرجو أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين".
أحمد بن محمد بن صدقة عن عبيد الله بن يوسف به.
[أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة بغدادي ثقة حافظ مات سنة 293. أحمد بن عبد الله بن عبيد البزار التستري لم أجد له ترجمة. عبيد الله بن يوسف الجبيري بصري ذكره ابن حبان في الثقات ومات سنة 250 تقريبا. محمد بن عبد الله الأنصاري بصري ثقة مات سنة 215، قيل إنه تغير في آخر عمره تغيرا شديدا. أبو الأشهب جعفر بن حيان بصري ثقة مات سنة 165]. وهذا الإسناد لا بأس به في المتابعات.
وكان عدد الذين رووه منهم بالعنعنة "عن الحسن عن أبي بكرة" أربعة فصار اليوم خمسة.
ـ هذا وأنصح الأخ الكريم بقراءة ما كتبته تحت عنوان "الحوار الأول حول حديث إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"، لتكتمل في الذهن صورة البحث، سائلا المولى تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يحفظنا من الهوى ويجنبنا الردى.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 15/ 9/ 1436، الموافق 2/ 7/ 2015، والحمد لله رب العالمين.






الاثنين، 6 يوليو 2015

الحوار الأول حول حديث "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"

الحوار الأول حول حديث "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"
هذا الحديث رواه الحسن بن أبي الحسن البصري التابعي الثقة رحمه الله عن أبي بكرة، والراجح عندي فيه ـ بعد الدراسة ـ أنه منقطع الإسناد، فهو ضعيف.
إشكالات وأجوبة:
ـ قد يقال: لا مانع من أن يكون الحسن البصري قد سمع الحديث من أبي بكرة ورواه عنه بلاغا ثم سئل عن إسناده فأسنده عنه مرة بلفظ السماع ومرة بغير لفظ السماع.
فأقول: الاحتمال العقلي المجرد عن القرائن وارد، ولكن مسألة التصحيح والتضعيف لا تـُبنى عليه، بل على غلبة الظن، والحسن البصري رحمه الله قد اشْتـَهر عنه تدليس الروايات، فلا بد من مزيد التريث والتثبت.
من المتفق عليه عند أهل الحديث أنه لا بد من الرجوع لمنهج علماء الحديث الشريف وخاصة في الإعلال، وهذه بعض النبذ من أقوال أئمة العلل في الجواب عن نظير هذه المسألة:
قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث يسلم بينهن، وقالا: رواه عثمان بن الحكم عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة، قالا: وهذا أشبهُ، وأفسدَ على يحيى بن أيوب.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، فقالا: هذا خطأ، إنما هو "الليث عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها"، وهو الصحيح.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن أبي قيس ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن ابن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنت ومالك لأبيك". قيل لأبي: وقد روى محمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي عن عبد الله بن داود عن هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله. قال أبي: هذا خطأ، وليس هذا محفوظا عن جابر، رواه الثوري وابن عيينة عن ابن المنكدر أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك. قال أبي: وهذا أشبهُ.
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال: حدثني سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أحْدثَ القرآنِ بالعرش آية الدين. ورواه ابن المبارك عن معمر عن الزهري أنه قال: بلغنا عن سعيد بن المسيب أنه قال: آخر آية عهدا بالعرش آية الدين. قال أبو زرعة: حديث معْمر أحب إلي.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عنبسة بن عبد الواحد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنه قال "إياكم ومجالس الطرق فإن كان لا محالة فأدوا الطريق حقه". قال أبي: ورواه أبان عن قتادة أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. قلت لأبي: أيهما أصح. قال: إن كان ذلك محفوظا فهو حسن، وما أخوفـَني أن يكون قد أفسد حديثُ أبان ذلك الحديثَ.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد عن الكـُريزي عن ‏يحيى بن سُليم عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة ابنة الحسين ‏عن أبيها عن جدها علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا هدى الله عبده الإسلامَ وحسَّن ‏صورته وجعله في موضع غير شائن ورزقه مع ذلك موضعا له فذلك من صفوة ‏الله". فقلت: حدثنا أبي قال حدثنا عبيس بن مرحوم العطار قال حدثنا يحيى بن ‏سُليم قال سمعت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان يقول بلغني أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم قال ذلك. فقال ابن جنيد الحافظ: هذا الحديث قد أفسد علينا حديثنا. قال ‏ابن أبي حاتم: صدق، فإنه لو كان عنده عن أمه عن أبيها عن جدها علي عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم لم يَرْوِ أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ‏
[علي بن الحسين بن الجنيد قال عنه الذهبي في السير: الإمام الحافظ الحجة، وكان من أئمة هذا الشأن، وفاتُه في آخر سنة إحدى وتسعين ومئتين].
فهذه أقوال ثلاثة من كبار أئمة علماء الحديث: أبي حاتم وأبي زرعة وابن الجنيد رحمهم الله، وهم لا يصححون كلتا الروايتين المرويتين عن راو يروي حديثا وتأتي إحداهما بأنه رواه مسندا وتأتي الأخرى بأنه ذكره بلاغا، بل نراهم يشكون حينئذ في الرواية المسندة ويعلونها بالرواية المرسلة بلاغا.
ـ قد يقال:
لكن يعكر على هذه الأقوال نص آخرُ عند ابن أبي حاتم بخلاف ذلك، فقد قال: سألت أبي عن حديث رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! لينتهن عن ذلك أو لتُخطفن أبصارهم". ورواه أبان العطار عن قتادة أنه بلغه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، مرسلا. قال أبو زرعة: ابن أبي عروبة أحفظ، وقتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح، كذا رواه عمران القطان أيضا. فقد يقال إن أبا زرعة لم يرجح هنا الرواية التي فيها "أنه بلغه".
أقول:
هذا الحديث رواه البخاري وابن ابي شيبة وابن حنبل وعبد بن حميد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ورد هذا في نص السؤال.
ورواه كذلك أبو داود الطيالسي عن همَّام، وأبو العباس السراج في مسنده من طريق آخر عن همَّام، عن قتادة عن أنس.
ورواه كذلك أبو يعلى عن عبيد الله بن عمر القواريري عن خالد بن الحارث ويحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن قتادة عن أنس.
ورواه كذلك أبو نعيم في تاريخ أصبهان من طريق عمران القطان، وعلقه أبو زرعة الرازي كما في جوابه على السؤال عن عمران القطان كذلك، عن قتادة عن أنس.
ورواه ابن حنبل عن عفان بن مسلم الصفار وهو ثقة عن أبان العطار عن قتادة عن أنس.
فالظاهر أن الذي حدَّث بهذا الحديث "عن أبان العطار عن قتادة أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم" لم يكن من الثقات وجاءت روايته مخالفة للطرق المتقدمة، فلذا لم يلق لها أبو حاتم ولا أبو زرعة بالا.
وقد رجح أبو زرعة الرواية الموصولة هنا لأن سعيد بن أبي عروبة أحفظ من أبانَ بنِ يزيدَ العطارِ، ولكونه قد توبع على روايته، وتبين بهذا أن هذا النص ليس بخلاف تلك النصوص.
ـ وأما مسألة سماع الحسن البصري من أبي بكرة فقد يقال لم لا نثبت سماعه منه بقول علي بن المديني والبخاري؟!.
أقول: ذكرتُ القرائن الدالة على أنه لم يسمع منه، وهذا قول يحيى بن معين والدارقطني.
وأما إثبات علي بن عبد الله المديني والبخاري لسماع الحسن من أبي بكرة فإنما بنياه على رواية سفيان بن عيينة عن إسرائيل بن موسى البصري لحديث "إن ابني هذا سيد"، حيث قال البخاري في صحيحه عقب روايته للحديث: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبى بكرة بهذا الحديث. وحيث إن هذا الطريق قد أخطأ فيه سفيان بذكر السماع فلا يصح الاعتماد عليه، لأن ما بُني على الخطأ فهو خطأ.
هذا وقد قال الذهبي في تاريخ الإسلام: قال علي بن المديني: لم يسمع الحسن من أبي موسى الأشعري، ولا من عمرو بن تغلب، ولا من الأسود بن سريع، ولا من عمران، ولا من أبي بكرة. فإن صح هذا النقل عن ابن المديني فهذا يعني أن له قولا آخر في هذه المسألة بخلاف ما نقله البخاري عنه، ولكن الأقرب أنه وهَم من الذهبي رحمه الله، والله أعلم.
وخلاصة الأمر أنه إذا كان سماع الحسن البصري من أبي بكرة غير ثابت وهو معروف بتدليس الرواية فالسند ضعيف.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي، والحمد لله رب العالمين. 

الخميس، 2 يوليو 2015

هل اشتملت كتابات بعض المناوئين للأشاعرة على اتهام بلا برهان؟ النبذة: 3


ـ قال الباحث الأول في كتابه عن عقائد الأشاعرة: "الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري خالف الأشاعرة فيما هو من خصائص مذهبهم، فمثلا خالفهم في الإيمان".
ـ قلت في كتابي عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئين:
[ذكر الباحث أن ابن حجر خالف الأشاعرة فيما هو من خصائص مذهبهم، ومن ذلك أنه خالفهم في الإيمان، وأحال الباحث إلى الجزء والصفحة من فتح الباري، ولكن الموجود في ذلك الموضع لا يخالف ما قاله الأشاعرة.
[قال ابن حجر: "والإيمان لغة التصديق، وشرعاً تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه، وهذا القدر متفق عليه، ثم وقع الاختلاف: هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة إبداء هذا التصديق باللسان المعبِّر عما في القلب إذ التصديق من أفعال القلوب؟ أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المأمورات وترك المنهيات؟... فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، والمرجئة قالوا هو اعتقاد ونطق فقط، والكرامية قالوا هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته والسلف جعلوها شرطاً في كماله".
[ومما ينبغي التنبيه عليه ـ وإن كان لا يغيب عن فطنة الفطن ـ هو أن ابن حجر لم يذكر قولاً للأشاعرة في مسألة الإيمان، وما ذاك إلا لأنه يعتقد أن قولهم لا يخرج عن قول السلف، إذ تفسير الأشاعرة للإيمان بالتصديق والاعتقاد لا يعني أنهم يطرحون قول اللسان وعمل الجوارح، وإنما يعني أن الإيمان الذي يخرج به المرء من الكفر إلى الحد الأدنى من الإيمان هو التصديق والاعتقاد، وأما القول والعمل فهما من ثمار الإيمان، وهما شرط في كمال الإيمان لا في صحته.
[فهل خالف ابن حجر الأشاعرة في الإيمان؟!، فتأمل ـ أيها القارئ المنصف ـ واعجب!.
أقول:
ذكر ابن حجر رحمه الله في مسألة الإيمان قول السلف وأقوال المرجئة والكرامية والمعتزلة، والسياق يفيد بأنه يقول بقول السلف وهو أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأنهم أرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله.
والمطلوب من المناوئين للأشاعرة اليوم أن يذكروا نصوص علماء الأشاعرة ـ من كتبهم ـ التي يقولون فيها بما يخالف ما ذكره ابن حجر عن السلف، أي بأن العمل بالأركان ليس شرطا في الإيمان لا في صحته ولا في كماله، ويكفينا نصوص ثلاثة من علمائهم.
فإن أتوا بذلك علمنا أن الباحث الأول كان أمينا ودقيقا في النقل عنهم، وإلا فهو يذكر النقول دون تحرٍ ولا تثبت.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الذي يدل عليه القرآن أن كل من تكلم بلا علم فأخطأ فهو كاذب، وكذلك الذي يدل عليه الشرع أن كل من أخبر بخبر ليس له أن يخبر به وهو غير مطابق فإنه يسمى كاذبا وإن كان لم يتعمد الكذب".
وحسبنا الله ونعم الوكيل.