الاثنين، 28 يناير 2013

كلمات موجزة في ترجمة الراحل الشيخ محمد سعيد البادنجكي - رحمه الله تعالى -



بقلم خاله الشيخ د. صلاح الدين الإدلبي (عضو رابطة العلماء السوريين)

هو الشيخ محمد سعيد، ابن الحاج نجيب، ابن الشيخ محيي الدين، ابن الشيخ سعيد، ابن الشيخ محيي الدين البادنجكي الكبير المدفون بمدخل المدرسة الطـَرَنْطائية بحي باب النيرب بحلب رحمهم الله.
الشيخ محيي الدين الكبير من أهل العلم والذكر، وله ترجمة في إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء للشيخ راغب الطباخ رحمه الله.
ولده الشيخ سعيد من أهل الذكر، وقد أخذته الدولة العثمانية للقتال في الحرب العالمية الأولى، فذهب ولم يعد.
ولده الشيخ محيي الدين من أهل الذكر، وهو من تجار السويقة بحلب.
ولده الحاج نجيب من تجار السويقة مع والده.
ولده الشيخ محمد سعيد ولد سنة 1951 بحلب، في دار جده ووالده الكائنة في حي باب النيرب بحلب، في آخر الطريق الذي تقع فيه المدرسة الطـَرَنْطائية، وبعد المرحلة الابتدائية درس فترة في المدرسة الشعبانية بحلب، ثم تحول إلى مدرسة نهضة العلوم الشرعية، ثم تحول فترة إلى إحدى المدارس الشرعية بدمشق، وحرص على لقاء علمائها، ثم تحول إلى ندوة العلماء بمدينة لكنو بالهند.
صحب في الهند الشيخ أبا الحسن الندوي، وأحبه كثيرا، وهناك حرَص على القراءة والمطالعة بتوجيه الشيخ أبي الحسن رحمه الله.
بعد التخرج عاد إلى حلب، ثم انتسب إلى جامعة الأزهر وحصل منها على شهادة الدراسة الجامعية في اللغة العربية.
أقام خلال ذلك في بيروت إماما للجامع العمري الكبير بها، وحرص على لقاء علمائها.
ثم انتقل إلى مدينة مانشستر في بريطانيا، وعمل فيها إماما وخطيبا للمسجد والمركز الإسلامي في منطقة وست ددزبري، وحصل خلال تلك الفترة على شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة إدنبره، حيث قام بتحقيق كتاب تلخيص المتشابه في الرسم للخطيب البغدادي رحمه الله. من مؤلفاته:
أحاديث عاشوراء صحاحها وضعافها وموضوعاتها
إتحاف الساجد بما صح من الأحاديث في المساجد مجلدان

حول حديث الشام صفوة الله من خلقه


  
السؤال:
كتب أحدهم المتسمَّى بـ " محب العلماء " ينتقد أحد طلبة العلم بخروجه بسبب الملاحقة من النظام المجرم منذ الثمانينات من سوريا ، ويتجوَّه عليه بحديثين ساقهما ، وهما : روى الطبراني والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد أن رسول الله قال: "الشام صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده. فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها من غيرها فبرحمته ".


الجواب:

كتب أحدهم المتسمَّى بـ " محب العلماء " ينتقد أحد طلبة العلم بخروجه بسبب الملاحقة من النظام المجرم منذ الثمانينات من سوريا ، ويتجوَّه عليه بحديثين ساقهما ، وهما : روى الطبراني والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد أن رسول الله قال: "الشام صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده. فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها من غيرها فبرحمته ".
كما ورد من حديث الطبراني من طريقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله عز وجل يقول "يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي مِن عبادي"
 
وتناسى هذا المتعصب : أن هؤلاء الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق لم يخرجوا إلا فرارا بدينهم من بطش النظام المجرم ، وتناسى أيضاً قول سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: إن الأرض لا تقدِّس أحدا إنما يقدس الإنسانَ عملُه " .
 
ولوكان مجرد الاستقرار بدمشق منقبة لحصل عليه العدد الوفير من الطغاة والظلمة والمنافقين . وقد سألت فضيلة الشيخ صلاح الدين عن هذا الحديث الذي يستدل به ذلك المحب للطغاة، فأجاب بما يلي :
 
حديث "الشام صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده"
رُوي هذا الحديث من حديث عبد الله بن حوالة وواثلة بن الأسقع، وله شواهد من حديث عبد الله بن عمر وأبي أمامة:
 
ـ فأما حديث ابن حوالة فرواه يعقوب بن سفيان في كتاب " المعرفة والتاريخ"، وابن أبي عاصم في" الآحاد والمثاني " ،والطحاوي في "مشكل الآثار "،والطبراني في "مسند الشاميين"، والبيهقي وابن عساكر من طريق جبير بن نفير عن ابن حوالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فعليك بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده، وفيها خيرة الله من عباده". ورواه ابنُ قانع في " معجم الصحابة" من طريق أبي إدريس الخولاني عن ابن حوالة به نحوه.
 
ورواه الطبراني في "مسند الشاميين" من طريق صالح بن رستم عن ابن حوالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هل تدري ما يقول الله في الشام؟! إن الله يقول: يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي". صالح بن رستم قال عنه أبو حاتم الرازي: مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات!!.
 
وعبد الله بن حوالة لم تثبت صحبته بالتواتر، ولا بالاستفاضة والشهرة، ولا بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي، فلم يبق إلا إخباره هو عن نفسه بذلك، وهذا لا يُقبل إلا إذا كانت عدالته ثابتة بغير ذلك الإخبار. [انظر: مقدمة علوم الحديث لابن الصلاح وشرح التبصرة والتذكرة للعراقي]. وحيث إننا لم نجد قولا بتزكيته عن أحد المزكين من الصحابة أو التابعين فهذا يعني أنه ليس صحابيا بالمعنى المقتضي للعدالة، فهذا السند ليس بقوي.
 
ـ وأما حديث واثلة فرواه الطبراني في الكبير، وفي مسند الشاميين، وابن قانع في معجم الصحابة ،وابن عساكر من طريق المغيرة بن زياد ومن طريق بكار بن تميم ومن طريق العلاء بن كثير، ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" من طريق محمد بن كثير الكوفي عن موسى بن عمير، أربعتهم عن مكحول عن واثلة بن الأسقع أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل وهما يستشيرانه في المنزل: "عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله، يسكـِنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإنَّ الله تكفل لي بالشام وأهله". [المغيرة بن زياد: لين، وبكار بن تميم: مجهول، والعلاء بن كثير: منكر الحديث، ومثله محمد بن كثير وموسى بن عمير]. فالسند ضعيف، ثم إنه لا يصح من حديث واثلة، لأن سعيد بن عبد العزيز ومكحول بن راشد وغيرهما رووه عن مكحول، وجعلوه من مسند عبد الله بن حوالة، فرجع هذا الطريق إلى حديث ابن حوالة.
 
ـ وأما حديث ابن عمر فرواه البزار والطبراني في الأوسط، وفي مسند الشاميين ،وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبي العوام عن عبد الله بن مساحق عن ابن عمر مرفوعا، ولفظه "إنكم ستجندون أجنادا، عليك بالشام فإنها صفوة الله من بلاده فيها خيرة الله من عباده، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله". عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان صدوق فيه لين وتغيَّر عقله في آخر حياته. أبو العوام سادن بيت المقدس لم أجد له ترجمة. عبد الله بن مساحق ذكره ابن حبان في الثقات، وفي بعض الطرق "عبد الملك بن مساحق". وهذا إسناد ضعيف جدا.
 
ـ وأما حديث أبي أمامة فرواه الطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين ـ ومن طريقه ابن عساكر ـ من طريق إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن القاسم عن أبي أمامة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، وليدخلن الجنة من أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب".
 
عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب: اتفقوا على تضعيفه، وهو ضعيف منكر الحديث.
وله طريق ثان رواه الطبراني في الكبير ـ ومن طريقه ابن عساكر ـ والحاكم من طريقين عن الوليد بن مسلم قال حدثنا عفير بن معدان أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشام صفوة الله من بلاده، يجتبي إليها صفوته من عباده، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها فبرحمته".
 
عفير بن معدان :اتفقوا على تضعيفه، وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سُليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم بما لا أصل له، لا يُشتغل بروايته. قال الحاكم بعد تخريجه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ورد عليه الذهبي فقال: كلا، وعفير هالك.
ـ حديث عبد الله بن حوالة سنده ليس بقوي، وليس له ما ينهض بتقويته، فالحديث ضعيف.
 
ولعل أصله هو الرواية التي رواها ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق إسماعيل بن عياش عن بَحير بن سعد عن خالد بن معدان عن يزيد بن شريح أنه قال: خرجت أنا وابن عم لي نريد الصلاة في بيت المقدس، فنزلنا على كعب الأحبار بدمشق، فقال لي: "بيت المقدس صفوة الله من بلاده وخيرته وكنزه ومقامه، فيها صفوة الله من عباده، من خرج من بيته لا يعنيه إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه مثل يوم ولدته أمه".
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي.