الاثنين، 17 يونيو 2013

حديث منقار حمص‎


حديث "وجعل الرأس الشام، وجعل رأس الرأس حمص، وفيها المنقار، وجعل الجؤجؤَ 
دمشق، وفيها القلب، ... ثم يقبـِل الرأس على الجناحين فينتفهما ريشة ريشة"

ذكر بعض الناس هذا الكلام على أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خطأ محض.

فقد رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن ـ ومن طريقه ابن عساكر ـ عن عبد القدوس وعمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم الحمصي عن علي بن أبي طلحة عن كعب أنه قال: "إن الله تعالى خلق الدنيا بمنزلة الطائر، فجعل الجناحين المشرق والمغرب، وجعل الرأس الشام، وجعل رأس الرأس حمص، وفيها المنقار، فإذا نـُقف المنقار يتأفف الناس، وجعل الجؤجؤَ دمشق، وفيها القلب، فإذا تحرك القلب تحرك الجسد، وللرأس ضربتان، ضربة من الجناح الشرقي وهي على دمشق، وضربة من الجناح الغربي وهي على حمص، وهي أثقلهما، ثم يقبـِل الرأس على الجناحين فينتفهما ريشة ريشة".
نقـَف الرجل رأسَ الرجل ينقـُفه، والنقـْف: كسر الهامة عن الدماغ ونحو ذلك،

والمناقفة: المضاربة بالسيوف على الرؤوس، والمنقاف: منقار الطائر. الجؤجؤ: الصدر.

[عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي صدوق ثقة مات سنة 212. عمرو بن الحارث 
الحمصي ذكره ابن حبان في الثقات. عبد الله بن سالم الحمصي صدوق ثقة مات سنة 179. علي بن أبي طلحة الهاشمي بالولاء أصله من الجزيرة وانتقل إلى حمص، صدوق فيه لين مات سنة 143. كعب الأحبار نزل حمص ومات سنة 34]. علي بن أبي طلحة لم يدرك كعبا فيبدو أنه بلغه عنه.
وروى نعيم بن حماد من طريق آخر عن كعب أنه قال: "رأس الأرض الشام، وجناحاها مصر والعراق". وروى ابن عساكر من طريق آخر عنه أنه قال: "ويل للجناحين من الرأس، وويل للرأس من الجناحين، فالرأس الشام، والجناحان المشرق والمغرب".

فالنص الذي ذكره بعض الناس على أنه حديث نبوي هو من كلام كعب الأحبار، وهكذا تتسرب الإسرائيليات اليوم إلى عقول أبناء الأمة الإسلامية كما تسرب كثير منها من قبل، وإلى الله المشتكى.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 9/ 8/ 1434، والحمد لله رب العالمين.



الثلاثاء، 4 يونيو 2013

ابن تيمية يحتج بنص من النصوص المصرحة بالتشبيه



نقل ابن تيمية رحمه الله أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال: "وحديث الزهري أنه قال: لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الكلام الذي سمعتـُه هو كلامك؟. قال: نعمْ يا موسى، هو كلامي، وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما تطيق، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمتَّ. فلما رجع موسى إلى قومه قالوا: صف لنا كلام ربك. فقال: سبحان الله، وهل أستطيع أن أصفه لكم؟!. قالوا: فشبهه لنا. قال: أسمعتم الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها؟ فكأنه مثله".

وعلق ابن تيمية فقال: "هو صريح في أنه كلمه بصوت، وكان يمكنه أن يتكلم بأقوى من ذلك الصوت وبدون ذلك الصوت".

قلت في كتابي "عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئين":
[لم يبحث ابن تيمية عن إسناد مرسل الزهري قبل اعتماده مصدرًا من مصادر العقيدة، وقد رواه البيهقي في الأسماء والصفات، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن جرير بن جابر الخثعمي عن كعب الأحبار. فانظر كيف صارت أقوال كعب الأحبار معتمدة في العقيدة!!!.

[وقد روى البيهقي نحوه من طريقين عن علي بن عاصم أنه قال: أخبرنا الفضل بن عيسى قال: حدثنا محمد بن المنكدر قال: حدثنا جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[لكن لا بد من النظر في السند أولاً، فأما علي بن عاصم فهو الواسطي وهو ضعيف، وكان يخطئ ويصرُّ على الخطأ فاتهمه لذلك عدد من الأئمة بالكذب، وأما الفضل بن عيسى فهو الرقاشي، وقد اتفقوا على تضعيفه، وقيل فيه منكر الحديث، وقيل فيه ليس بثقة.

[ولعل أصل هذه الرواية هو قول كعب الأحبار، فوصل إلى أحد الضعفاء الهَلـْكـَى، فألصقه ـ من باب الخطأ والغفلة ـ بأحد ثقات التابعين عن الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!!! فتأمل واعجب.

[أما المتن الإسرائيلي المصدر فكله إيحاء بأن كلام الله تعالى وإسماعه لموسى عليه الصلاة والسلام هو بصوت مادي قوي، تبلغ قوته قوة عشرة آلاف لسان، وأن الله تعالى قادر على أن يتكلم بأقوى من ذلك الصوت، وأنه يمكن تشبيهه!!!، وذلك أنه يشبه صوت الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة!!!، وقد صار عند من يستدل به ـ دون التفات إلى معرفة مصدره ونقد سنده ـ  حجة في العقيدة، إذ هو صريح في أنه كلـَّمه بصوت!!!. قال الله تعالى {سبحان الله عمَّا يصفون}.

[إن الثابت عند أهل الإسلام هو أن الله تعالى كلـَّم موسى عليه الصلاة والسلام، وأسمعه كلامه، قال الله تعالى {فـَلـَمَّا قَضَى مُوسَى الْأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطـُّورِ نَارًا، قَالَ لِأهْلِهِ امْكـُثـُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لـَعَلـِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلـَّكُمْ تـَصْطـَلـُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الـْبُقـْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين َ* وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ...}. فقد ذكر ربنا تعالى أن النداء كان من جهة الشجرة، ولم يقل إنه كان بصوت مادي، ولم يذكر أنه كان يخرج منها نار محسوسة!!!.

[والثابت المؤكد هو أن الله تعالى كلمه وناداه وأسمعه كلامه، على ما يليق بعظمة الله تعالى، لا على ما تصوره روايات أهل الكتاب من أنه كلام بصوت حسي تبلغ قوته قوة عشرة آلاف لسان، إذ لو كان كذلك لسمعته زوجته، ولو كانت قد شاركت موسى في سماع كلام الله تعالى لما بقيت لموسى هذه الميزة التي تفرد بها، والتي ذكرها ربنا تعالى فقال {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطـَفـَيْتـُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي}.

[فلا بد من إثبات ما أثبته الله تعالى، مع تفويض العلم بالكيفية له سبحانه، ومع نفي مشابهة صفات الخالق لصفات المخلوق]. انتهى ما قلته في كتابي "عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئين".


فيا إخواننا: إلى متى تمشون خلف عقائد اليهود المشبِّهين المجسِّمين؟!.
ألم يأنِ لكم أن ترجعوا إلى عقيدة الكتاب والسنة الصحيحة؟!.
ألم يأنِِ لكم أن تعلموا أن ما كنتم تظنون أنه عقيدة السلف الصالح هو ـ في الواقع ـ مقتبسات من عقائد اليهود المشبهين المجسمين!!!.

نصيحتي لكم هي أن لا تقبلوا أقوال من يقول لكم هذه عقيدة السلف حتى يأتي بالمصدر ونتأكد من صحة الإسناد!!!.

يا إخواننا: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال مَن شاء ما شاء.

وأخيرا: أسأل الله الكريم، أن يهدينا الصراط المستقيم، وأقول كما قال سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض ،عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختـُلـِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".

وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي.
والحمد لله رب العالمين.