الثلاثاء، 4 أبريل 2023

حديث "بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف"

بسم الله الرحمن الرحيم


حديث "بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف"


إحدى روايات هذا الحديث هي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبدَ اللهُ وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلة والصَّغَار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم". فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟. 

* ـ هذا الحديث له عدة روايات من حيث الإسناد، فأستعرضها فيما يلي:

الرواية الأولى:

هذا الحديث رواه عبد الله بن المبارك في الجهاد [105]، ورواه ابن أبي شيبة [19783، 33681] عن عيسى بن يونس، وابنُ أبي شيبة كذلك [33682] عن وكيع عن سفيان الثوري، ثلاثتهم عن الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن طاوس اليماني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله بعثني بالسيف...". الحديث. 

[الأوزاعي ثقة إمام مات سنة 157. سعيد بن جبلة ضعيف، قال محمد بن خفيف الشيرازي الدمشقي المتوفى سنة 371: ليس هو عندهم بذاك. طاوس بن كيسان تابعي ثقة]. فهذا الإسناد ضعيف جدا، لأنه اجتمع فيه أكثر من سبب للتضعيف. 

وهذه الرواية هي الثابتة عن الإمام الأوزاعي، إذ رواها عنه ثلاثة من الرواة الثقات، عبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس وسفيان الثوري.

الرواية الثانية:

ورواه ابن أبي شيبة [19747] وابن حنبل [5114، 5115] وعبد بن حُميد [846] وابن الأعرابي في المعجم [1137] والطبراني في المعجم الكبير [14109] وفي مسند الشاميين [216] وتمام في الفوائد [770] والبيهقي في شعب الإيمان [1154] من طرق كثيرة عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. 

[عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان دمشقي ولد سنة 75 ومات سنة 165، قال فيه ابن حنبل في رواية: أحاديثه مناكير. وقال في رواية: لم يكن بالقوي في الحديث. وقال ابن معين في عدد من الروايات: ضعيف. وقال في رواية: لا شيء. وقال في رواية: ليس به بأس. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن شاهين في كتاب الضعفاء: ليس بشيء. وقال في كتاب الثقات: ليس به بأس. وقال ابن عدي: كان رجلا صالحا ويُكتب حديثه على ضعْفه. وضعَّفه ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ في عدة مواضع، ووثقه دُحيم وأبو حاتم وابن حبان، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ وتغير بأَخَرَة. حسان بن عطية دمشقي ثقة توفي بعد سنة 120. أبو المنيب الجرشي دمشقي وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وهما من المتساهلين في التوثيق]. فهذا إسناد ضعيف. 

الرواية الثالثة:

ورواه الطحاوي في مشكل الآثار [231] عن أبي أمية الطرَسوسي عن محمد بن وهب بن عطية، وابنُ حِذْلَم [31] من طريق هشام بن عمار وغيره، كلهم عن الوليد بن مسلم أنه قال: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فذكره بنحوه. 

[الوليد بن مسلم دمشقي ثقة فيه لين، كثير التدليس والتسوية في الأسانيد، مات سنة 195]. 

فهذا إسناد ضعيف، لأن فيه راويا ممن يدلس تدليس التسوية ولم يتسلسل الإسناد منه إلى الصحابي بما يدل على السماع. 

ثم إن هذه الرواية عن الأوزاعي معلولة، لأنها مخالفة لما رواه ثلاثة من الثقات عنه، كما تقدم في الرواية الأولى، إذ روَوه عن الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن طاوس مرفوعا مرسلا، وليس عن حسان بن عطية عن أبي منيب عن ابن عمر مرفوعا. 

ويحتمِل ـ إن كانت هذه الرواية ثابتة عن الوليد بن مسلم ـ أن تكون مما سمعه الأوزاعي من عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية فرواها من باب الاستغراب، وأن يكون الوليد بن مسلم سمعها من الأوزاعي على هذا الوجه وأسقط اسم عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان منها، وهذه صورة تدليس التسوية، وقد كان الوليد بن مسلم يفعل ذلك، وبذلك يرجع هذا الطريق إلى الطريق الثاني. 

الرواية الرابعة:

ورواه أبو أمية الطرسوسي في مسنده [56] عن يحيى بن عبد الله البابلتي، وذكره ابن أبي حاتم في العلل [956] عن عمرو بن أبي سلمة، كلاهما عن صدقة بن عبد الله عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. 

[صدقة بن عبد الله السمين دمشقي ضعيف منكر الحديث، مات سنة 166]. فهذا إسناد ضعيف. 

ثم إن هذه الرواية عن الأوزاعي معلولة، لأنها مخالفة لما رواه ثلاثة من الثقات عنه، كما تقدم في الرواية الأولى، إذ روَوه عن الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن طاوس مرفوعا مرسلا، وليس عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وهي من تخليط صدقة بن عبد الله.

الرواية الخامسة: 

ورواه سعيد بن منصور في سننه [2370] عن إسماعيل بن عياش عن أبي عمير الصوري عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم. 

[إسماعيل بن عياش حمصي صدوق فيه لين فيما روى عن أهل بلده، مخلط في غيرهم. أبو عمير الصوري قال فيه أبو حاتم: كان من عباد الله الصالحين. ولم يذكر شيئا عن مدى ضبطه وتيقظه، والسند مرسل، ومراسيل الحسن البصري مشهورة بالضعف]. فهذا السند ضعيف جدا لأن فيه أكثر من سبب للتضعيف.

* ـ قول إمامين من أئمة علم الحديث في هذا الحديث: 

سأل ابن أبي حاتم الرازي أباه عن حديث رواه عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "بُعثت بالسيف بين يدي الساعة"، فقال: قال لي دُحيم: "هذا الحديث ليس بشيء، الحديثُ حديثُ الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم". [علل الحديث لابن أبي حاتم: 956].

دُحيم هو الإمام الفقيه الحافظ محدث الشام عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي، وقوله "الحديثُ حديثُ الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم" يعني أن هذا هو الصواب في أسانيد هذا الحديث وأن ما عداه لا يصح، وقد أقره على هذا الإمام أبو حاتم الرازي أحد كبار أئمة علم العلل.

ـ مما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن البخاري ذكر فقرتين من هذا الحديث في صحيحه تعليقا بصيغة التمريض ولم يروه بالسند، فقال "باب ما قيل في الرماح، ويُذكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم جُعل رزقي تحت ظل رمحي وجُعل الذلة والصَّغَار على من خالف أمري". وهو لا يذكر الحديث بصيغة التمريض غالبا إلا إذا كان ضعيف الإسناد عنده. 

* ـ الخلاصة:

حديث "بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف" طرقه شديدة الضعف، فلا يتقوى بعضها ببعض، ويبقى إسناد الحديث ضعيفا، والله أعلم. 

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 3 جمادى الثانية 1439، الموافق 19/2/2018، سوى بعض الإضافات والتعديلات، والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.