الأربعاء، 7 يونيو 2023

ملخص عن حديث مقدار عمر السيدة عائشة رضي الله عنها وقت الزواج

 

 

روتْ عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها وسنها ست سنوات وتزوجها وسنها تسع سنوات، وهذا النص إذا نظرنا إليه من حيث الزوجةُ فهو رواية تاريخية في مقدار سنها يوم زواجها، ولا يعْدو أن يكون شأنا من شؤون الأسرة، لكن إذا نظرنا إليه من حيث الزوجُ النبي الأكرم خاتم النبيين وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم فهو حديث من الأحاديث الفعلية، وينبغي الاهتمام به لأنه إن ثبت أو لم يثبت فسيكون فيه مجال للدراسات التي تستنبط وتستلهم الدروس والعبر من سيرة هذا الرسول العظيم، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.

تساؤل:

متى وُلدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟، وكم كان عمرها يوم العقد ويوم الزواج؟:

القول الأول الذي تشير إليه القرائن التاريخية هو أنها وُلدت قبل البعثة النبوية بأربع سنين، وتمَّ عقد زواجها بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، أي بعد عشر سنوات من البعثة، وهذا قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بثلاث سنين، وتمَّ زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها في أواخر السنة الأولى بعد الهجرة، أي كان عمرها أربع عشرة سنة يوم العقد وثماني عشرة سنة تقريبا يوم الزواج، وحيث إنها ماتت سنة ثمان وخمسين هجرية فتكون قد عاشت 75 عاما.

القول الثاني هو الذي قالته عائشة رضي الله عنها، وهو القول المشهور، وهو أنها كانت بنت ست سنين يوم العقد عليها وبنت تسع سنين يوم الزواج، أي إنها وُلدت بعد البعثة النبوية بأربع سنوات، وحيث إنها ماتت سنة ثمان وخمسين هجرية فتكون قد عاشت 67 عاما.

* ـ القرائن التي تدل على أن عائشة رضي الله عنها وُلدت قبل البعثة النبوية، وليس بعدها:

1 ـ عائشة أصغر من أختها أسماء رضي الله عنهما بعشر سنين، وقد وُلدت أسماء قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، أي قبل البعثة النبوية بأربع عشرة سنة، وهذا يعني أن عائشة ولدت قبل البعثة النبوية بأربع سنوات، وحيث إن العقد عليها كان قبل الهجرة بثلاث سنوات ـ أي بعد البعثة بعشر سنوات ـ فهذا يعني أنها كانت وقت العقد في الرابعة عشرة من العمر.

2 ـ روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجاريةٌ ألعبُ {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ}".

ذكر عدد من المفسرين أن هذه الآية نزلت قبل الهجرة بخمس سنين وبعد البعثة بثمان، والجارية في أصل معناها عند العرب: هي الفـَتِـيَّة من النساء، أي الشابّة في أوائل شبابها.

إذا كانت عائشة رضي الله عنها قد وُلدت بعد البعثة النبوية بأربع سنين فهذا يعني أن عمرها وقت نزول هذه الآية أربع سنوات، وهذا بعيد عن أصل المعنى اللغوي لكلمة الجارية، وإذا كانت قد وُلدت قبل البعثة النبوية بأربع سنين فهذا يعني أن عمُرها وقت نزول هذه الآية كان ثنتي عشرة سنة، وهذا هو المنسجم مع أصل معنى الجارية في اللغة.

3 ـ روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لم أعقلْ أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرَّ علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتـُلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قِبَل الحبشة، ...". الحديثَ.

وجه الدلالة من هذه الرواية أمران:

أولهما أن الطفل لا يدرك في العادة تديُّنَ والديه بدين مغاير لدين أكثر الناس مِن حوله قبل سن الرابعة على الأقل، ولو كانت عائشة قد وُلدت في السنة الرابعة من البعثة وكان أول وعيها بما حولها في السنة الثامنة بعد البعثة لكان قولها "لم أعقلْ أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين" تحصيلَ حاصل غيرَ ذي فائدة، لأن أبا بكر معلومٌ سبْقه إلى الإسلام، وأم رومان أسلمت بمكة قديما كذلك.

لكن إذا كانت قد وُلدت قبل البعثة بأربع سنوات وكان أول وعيها بما حولها في السنة الأولى من البعثة فيكون لهذا القول فائدة، هي أنها ـ أولَ ما بدأت تعي ما حولها ـ رأت والديها كليهما يدينان بدين الإسلام، وليس والدَها فقط، وهذا يعني أن ولادتها كانت قبل البعثة بنحو أربع سنوات.

وثانيهما أن قولها "فلما ابتـُلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قِبَل الحبشة" معطوفًا على إدراكها لأبويها وهما يدينان الدين فيه إشارة خفيفة إلى أنها كانت إذ ذاك واعية لهذا الحدث، وخروجُ الصحابة من مكة للهجرة قِبَل الحبشة كان في أواسط السنة الخامسة من البعثة، وهجرتهم الثانية إليها في أواخر الخامسة أو أوائل السادسة.

ولو كانت عائشة قد وُلدت في السنة الرابعة من البعثة لما كان ممكنا لها أن تدرك ما حدث في أوائل السادسة، لكن إذا كانت قد وُلدت قبل البعثة بأربع سنوات فهذا يعني إمكان إدراكها لذلك بوضوح.

4 ـ ذكر محمد بن إسحاق في السيرة النبوية أسماء أوائل من أسلموا، وذكر منهم "أسماء بنت أبي بكر وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة"، ونقله عن ابن إسحاق جماعةٌ من أهل العلم دون إنكار.

إذا كانت عائشة مذكورة مع أوائل من أسلموا فهذا ينفي أنها وُلدت بعد البعثة بأربع سنين ويؤكد أنها قد وُلدت قبل البعثة بأربع سنين على أقل تقدير.

5 ـ ذكرَ الطبري في كتاب التاريخ أن أبا بكر رضي الله عنه تزوج زوجتيه في الجاهلية، وأن أولاده الأربعة ومنهم عائشة وُلدوا في الجاهلية، أي وُلدوا قبل البعثة. وهذا نص تاريخي واضح صريح في أن عائشة رضي الله عنها وُلدت قبل البعثة النبوية.

6 ـ روت عائشة رضي الله عنها أن خولة بنت حكيم عرضتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخطِب له بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها إما عائشة وإما سَودة بنت زمعة.

من المستبعد جدا أن تفكر خولة بخطبة مَن لها مِن العمر ست سنوات لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أصبح بدون زوجة بعد وفاة السيدة خديجة ليكون الزواج بعد ذلك بسنوات!. لكن إذا كانت بنتَ أربع عشرة سنة فهذا معقول.

7 ـ قالت عائشة رضي الله عنها في مسألة من المسائل: "ما عِلـْمُ أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، وإنما كانا غلامين صغيرين". تشير بذلك إلى أنها هي أكثر منهما وعيا للأحداث لكونهما كانا صغيرين.

وُلد أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك قبل الهجرة بعشر سنين، فهي على القول المشهور أصغر من هذين الصحابيين بسنة، فلا يستقيم إذا كانت أصغر منهما سنا أن تقول عنهما "إنما كانا غلامين صغيرين".

لكنها ـ على القول الأول ـ هي أكبر منهما بسبع سنوات، فهي أكثر منهما وعيا للأحداث، فمن المعقول أن تقول عنهما بأنهما كانا غلامين صغيرين.

8 ـ روتْ عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ناجى ابنته فاطمة رضي الله عنها في مرضه الذي قـُبض فيه بشيء، وأنها قالت لفاطمة: "أيْ بُنية، أخبريني ماذا ناجاك أبوك؟". فما أخبرتْها بالذي ناجاها به إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وُلدت فاطمة ـ على الأشهَر ـ قبل البعثة النبوية بخمس سنوات، أو قبلها بقليل أو بعدها بقليل، وإذا كانت عائشة قد وُلدت بعد البعثة بأربع سنوات فهذا يعني أن فاطمة أكبر سنا منها بتسع سنوات أو أربع سنوات على الأقل!، ومن المستغرب والمستبعد جدا أن تقول الصغيرة لمن هي أكبر منها بمثل هذا القدر "أيْ بنية"، حتى لو كانت هي زوجةَ أبيها.

أما إذا كانت عائشة قد وُلدت قبل البعثة بأربع سنوات فهذا يعني أن فاطمة أكبرُ سنا منها بسنة أو أصغرُ منها بأربع سنوات، فإذا كانت فاطمة أصغر من عائشة فليس من المستبعد أن تقول الكبيرة للصغيرة "أي بنية"، وإذا كانت فاطمة أكبر بسنة فليس لهذا الفرق الضئيل تأثير يمنع أن تقول الصغيرة للكبيرة "أي بنية" إذا كانت الصغيرة هي زوجةَ أبيها. ‏

9 ـ كان مُطْعِم بن عَدِيّ قد ذكر رغبته في خِطبة عائشة لولده جُبير وأخذَ من أبي بكر وعدا بذلك، وظن بعض الناس أن في هذا دلالة على أن عائشة كانت قبل أن يخطِبها النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة مخطوبة للزواج!.

وهذا خطأ، لأنها لم تكن مخطوبة بما تعنيه هذه الكلمة، والواقع هو أن المطعم بن عدي كان قد ذكرها مجرد ذكْر وأخذَ من أبي بكر وعدا بذلك، ومثل هذا كثيرا ما يقع بين الناس حتى وإن كانت المذكورة ومن ذُكرتْ له طفلين صغيرين، وقد تكون بنتَ عام أو عامين.

سياق القصة يشير إلى أن المطعم بن عدي وزوجته كانا متمسكين بالشرك ويكرهان الدخول في الإسلام، كما يكرهان أن يتحول ابنهما إلى هذا الدين الجديد إذا تم زواجه بعائشة، ومن المعلوم ما كان عليه أبو بكر رضي الله عنه من الحرص الشديد على دعوة الناس إلى الدخول في الإسلام، فمن المستبعد إذا كانت عائشة رضي الله عنها قد وُلدت بعد البعثة النبوية بأربع سنوات أن يوافقَ أبو بكر على تزويج ابنته لمشرك.

فلم يبق سوى أنَّ ذِكْرَ المطعم بن عدي لعائشة كي تكون مخطوبة لابنه وأخْذَ الوعد بذلك من أبي بكر إنما كان قبل البعثة النبوية، وهذا يعني أن عائشة كانت قد وُلدت قبل البعثة النبوية، وليس بعدها.

10 ـ كانت عائشة رضي الله عنها تحمل القِرَب الثقال يوم غزوة أُحُد على ظهرها ثم تفرغها في أفواه الجرحى.

ومن المعلوم أن عائشة رضي الله عنها كانت في صِغرها نحيفة لم تحمل اللحم، وكانت يوم غزوة أحُد على القول المشهور ابنة أحد عشر عاما، وإذا كان الأمر كذلك فهي لا تقْوى غالبا على حمل قِرَب الماء الثقال لتفرغها في أفواه الجرحى ثم ترجعَ فتملأها ماء وتعودَ بها من جديد، وهذا يعني تضعيف القول المشهور في تحديد عمرها.

أما على القول الأول فقد كان عمرها يوم أحُد تسعة عشر عاما، وهذا هو الأقرب للواقع.

* ـ كل واحدة من القرائن المتقدمة لا تكفي بمفردها في الاستدلال على أن عائشة رضي الله عنها وُلدت قبل البعثة النبوية بأربع سنين، لكن اجتماع تلك القرائن يشكل دليلا قويا على ذلك.

* ـ الدليل الذي استند إليه القول المشهور في أن عائشة رضي الله عنها كانت يوم العقد عليها بنت ست سنين ويوم الزواج بنت تسع سنين:

هذا المعنى رواه عدد من الرواة عن عائشة رضي الله عنها في مصادر كثيرة من المصادر الحديثية والتاريخية، ومن تلك المصادر الحديثية صحيح البخاري وصحيح مسلم، فهو ثابت عنها من حيث الإسناد.

والظاهر أنه ربما وقع لها شيء من النسيان في أواخر العمر، لأن قولها هذا يعارضه عشرة من القرائن الدالة على خلافه، والله أعلم.

وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.