الاثنين، 19 مارس 2018

حوار مع الأخ الفاضل حول مبحث مقدار عمر السيدة عائشة رضي الله عنها يوم الزواج




* ـ يرى أحد الإخوة الأفاضل أن ما كتبتُه عن مقدار عمر السيدة عائشة رضي الله عنها يوم الزواج هو عون للعالَمانيين والتنويريين الظلاميين الذين يحاولون بشتى الوسائل الطعن بالأحاديث الصحيحة والتركيزَ على التقليل من قيمة الصحيحين، وخاصة صحيح البخاري، والتشكيك بما ورد فيه بحجج واهية، وأنه كان يتوقع مني ـ أمام الهجمة الشرسة من أولئك المفسدين على عمر السيدة عائشة رضي الله عنها حين زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم الوارد في أصح كتابين من كتب الحديث الشريف ـ أن أكون أول من يتصدى لذلك بالأدلة الدامغة والحجج الساطعة.
أقول:
العالَمَانيون يحاولون بشتى الوسائل الطعن بالأحاديث الصحيحة، وهنالك هجمة شرسة من المفسدين على كتب السنة الشريفة وعلى علمائنا وأئمتنا الذين أفنَوا أعمارهم في خدمتها، هذا صحيح بادٍ للعيان، وربما يكون القادم ـ إذا بقينا نائمين ـ أسوأ مما قبله، وأرى أن التصدي لتلك الحملة الشرسة بالأدلة الدامغة والحجج الساطعة من أوجب الواجبات.
الذي يتصدى لهذا ـ حسبما أرى والله أعلم ـ هو أحد اثنين: إما أن يكون معتقدا بأن أحاديث الصحيحين مما يُقطع بصحتها سوى المواضع اليسيرة المستثناة التي أشار إليها ابن الصلاح رحمه الله، وإما أن يقف موقف الباحث عن الحقيقة المستهدي بالكتاب المنير الذي يقول فيه ربنا جل شأنه {قل هاتوا برهانكم}.
لستُ ـ بحمد الله تعالى ـ من النوع الأول، وحتى يعرف القارئ لمَ لا أكون من ذلك النوع فعليه أن يقرأ أولا مبحث "أحاديث الصحيحين هل ضعَّف بعض العلماء بعضها؟"، ففيه أسماء عشرات العلماء الذين ضعفوا بعض روايات الصحيحين، ابتداء من طبقة شيوخ البخاري ومسلم ومن طبقتهما ومن الطبقات التالية لهما مرورا بابن عبد البر والنووي وابن حجر وغيرهم.
أنا ـ أيها الأخ الفاضل ـ أبحث عن الدليل والبرهان، لأن هذا هو المطلوب منا جميعا إذا كنا نحتكم للقرآن الكريم الذي هو الهدى والضياء والشفاء.
نحن اليوم أصبحنا شبه محاصَرين بالشبه التي يوردها علينا أصحاب تلك الحملة الشرسة ويضيع فيها كثير من الناس، وتضيع فيها الأجيال ضياعا مهلكا عندما يرون الردود الضعيفة، فيظنون أن هذا هو الدين، فيزهدون فيه جملة وتفصيلا وينسلخون منه، والعياذ بالله.
أسباب ذلك كثيرة، نشترك في إدراك كثير منها وفي سبل معالجتها، ولكن هنالك شيء قد يغفل بعضنا عنه، ألا وهو التقصير في البحث العلمي والجمودُ على بعض المقولات غيرِ الثابتة وجعْلـَها في مصاف القطعيات وهي ليست كذلك.
أكرر القول بأن القارئ لهذا الحوار قد يصعب عليه فهمه حتى يقرأ قبله مبحث "أحاديث الصحيحين هل ضعَّف بعض العلماء بعضها؟".
* ـ مثال:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من أهل البادية أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة؟. قال: "ويلك، وما أعددتَ لها؟". قال: ما أعددتُ لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال: "إنك مع من أحببت". فقلنا: ونحن كذلك؟. قال: "نعم". ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني، فقال: "إن أُخِّرَ هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
يقول كثير من العلماء المتأخرين في مثل هذا "رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما" ويكتفون بذلك، وغالبا ما يقولون إن كل الألفاظ المروية في الصحيحين صحيحة!، ونحن اليوم نجني نتائج التقصير في دراسة تلك الأحاديث المروية عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.
يرى كل ذي لب أن هذه الرواية تخالف الواقع المُشاهَد، فقد عاش ذلك الغلام ومات ومات بعده أجيال وأجيال ولم تقم الساعة حتى الآن.
تجرأ الطاعنون ـ بسبب ذلك ـ وقالوا إن هذا الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا إن الشيخين مقصران في إيراد أمثال هذه الروايات الموضوعة في الصحيحين!.
لمعرفة اللفظ الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بد من معرفة الرواية الأخرى لهذا الحديث، وهي كذلك في الصحيحين، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: "إن يعشْ هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم".
والحديث ـ حسب هذه الرواية ـ يخبرهم أنه إن يعشْ هذا الغلام فإنه لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم أنتم، أي موتكم، يعني بذلك أنه لا يبقى منكم أحد بعد انخرام ذلك القرن، وموت الإنسان هو قيام ساعته، وهو الذي ينبغي للإنسان العاقل أن يهتم به، وأما قيام الساعة الذي يعني انقضاء الدنيا فمما لا ينبغي أن يشغل المرء به نفسَه، والحديث بهذه الرواية عن عائشة رضي الله عنها صحيح سندا ومتنا.
أما رواية أنس بن مالك فقد وقع فيها خلل في أحرف من كلمة "ساعتكم"، فأصبحت "حتى تقوم الساعة"، وشتان بينهما.
ـ حديث أنس رضي الله عنه الذي وقع فيه الوهَم رواه عنه أكثر من واحد من التابعين الثقات، وهذا يعني ـ عند علماء الحديث ـ أن الوهَم منه.
ـ هذا ولم أجد حديث أنس هذا في كتاب التتبع للدارقطني ولا في غيره من كتب العلل، فهل يقول فيه ابن الصلاح رحمه الله ومن يوافقونه إنه من المقطوع بصحته؟!.
وههنا أمر هام ينبغي لفت النظر إليه، هو أن الإمامين البخاري ومسلما رحمهما الله أشارا في كتابيهما إلى ثبوت اللفظ المروي عن عائشة وعدم ثبوت اللفظ المروي عن أنس رضي الله عنهما، ولكل منهما طريقته في ذلك. [انظر إن شئت بحثا عنوانه حديث "إن يعش هذا الغلام فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة"].
وحيث إن كثيرا من المشايخ يقولون للناس إن كل الألفاظ الواردة في الصحيحين صحيحة، وحيث إن الناس وجدوا رواية فيهما تخالف الواقع المشاهَد، فما النتيجة المتوقعة؟!.
النتيجة اهتزاز ثقة الأجيال بكلام كثير من المشايخ، والأخطر اهتزاز الثقة بروايات الصحيحين كلها، وهذه هي الطامة.
عندما يصر المرء على عدم الاعتراف بما وقع من تقصير فإنه يكسب بعض الناس الذين تأبى عليهم عواطفهم أن يكون في بعض الموروث ـ الذي ليس من الثوابت ـ بعض الأخطاء، ويخسر ثقةَ الكثير من الناس الذين ما عادوا يقبلون قولا بدون دليله، وربما ثقةَ الكثير من أبناء الجيل والأجيال اللاحقة، وأظن أن الخسارة هنا أكبر بكثير.
وعندما يعترف المرء بما وقع من تقصير فإنه يخسر بعض الناس الذين تأبى عليهم عواطفهم أن يكون في بعض الموروث ـ الذي ليس من الثوابت ـ بعض الأخطاء، ويكسب ثقة الكثير من الناس الذين ما عادوا يقبلون قولا بدون دليله، وربما ثقة الكثير من أبناء الجيل والأجيال اللاحقة، وأظن أن الربح هنا أكبر بكثير.
ليس المهم مسألة الربح والخسارة، ولكن المهم البحث عن الحق المؤصل بالدليل واتباعه مهما قال القائلون.
* ـ قال الأخ الفاضل: "الهدف الأساسي من محاولات هؤلاء المحرفين المشككين في عمر السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجها وهو تسع سنوات هو الطعن في حكم شرعي صرح به القرآن الكريم وهو الزواج من الصغيرة الذي يشير له قوله تعالى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} وأجمع عليه فقهاء الأمة وفق ضوابط شرعية".
أقول:
مسألة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة وسنها تسع سنوات مسألة تاريخية، نريد أن نعرف هل وقعت وهي في هذه السن أو لا؟، ويهمنا نتيجة البحث، ولا يهمنا ـ هنا ـ مسألة الزواج بالصغيرة وأدلتها والضوابط الشرعية، ولا ما الذي يريده المشككون.
* ـ قال الأخ الفاضل: "أرجو أن ُينظر في هذه القضية قبل اتهام السيدة عائشة بالوهم والنسيان هل كان الزواج في هذا السن متعارفا عليه في البيئة العربية ولدى جميع الأمم في ذلك الوقت؟، بل وحتى لفترة قريبة من عصرنا؟، وهذا الكاتب الانكليزي شكسبير يذكر في إحدى رواياته الأدبية كيف كان ذلك منتشرا".
أقول:
لو كان الزواج بالصغيرات منتشرا في كل الأمم والشعوب فإن هذا لا يُعد قرينة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، والأصل عدم الثبوت حتى يأتي دليل الإثبات، فإن ثبت بدليل واضح ليس له معارض سلمنا بذلك، وإلا فلا.
* ـ قال الأخ الفاضل: "لم نسمع عن أحد من العلماء السابقين من قال بهذا القول". أي القول بأن عائشة رضي الله عنها ولدت قبل البعثة النبوية.
أقول:
العلماء السابقون كانت بين أيديهم الروايات الكثيرة الصريحة عن عائشة في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد عليها وعمرها ست سنوات وتزوجها وعمرها تسع سنوات، فمن المنطقي أن يقولوا بهذا، وأما القرائن فهذه تحتاج لجمع ومراجعة ومقابلة وتمحيص، ولكن حيث إنهم رأوا فيها مسألة تاريخية بحتة فيبدو أنهم لم ينشطوا لها.
ولم أجد من قرن بين حديث عائشة رضي الله عنها وقرينة تاريخية مغايرة سوى الإمام الذهبي رحمه الله، كما سيأتي، ولكنه لم يقف عندها طويلا.
* ـ يرى الأخ الفاضل أن الطبري ذكر الرواية بأن عائشة وُلدت في الجاهلية عن علي بن محمد عمن حدثه، وهذا الذي حدثه مجهول غير معروف، ووافقه على ذلك الواقدي والكلبي.
أقول:
علي بن محمد المدائني صدوق ثقة مات سنة 224، وقد قال الطبري في هذه الرواية: "حدَّث علي بن محمد عمَّن حدثه ومَن ذكرتُ من شيوخه، ووافقه على ذلك الواقدي والكلبي". وساق نص الرواية، فالرواية يرويها المدائني عن عدد من شيوخه، وليس عن راو واحد مجهول، ويقويها موافقة الواقدي والكلبي، وهذا يدخل في القرائن التاريخية دون شك.
ولو قيل هل هذا الإسناد صحيح؟، فأقول: لا، ولكن هذه قرينة وليست بدليل، إنما الدليل هو مجموع القرائن، وهي هنا بحمد الله عشر قرائن.
* ـ ذكر الأخ الفاضل حديث عبد الله بن صفوان عن عائشة، وفيه قولها "تزوجني رسول الله لسبع سنين وأهدِيت إليه لتسع سنين"، وذكر الحديث عن يوم زفافها وإدخالها على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه مثل ذلك، وذكر عددا من الروايات عنها أنها قالت مثل ذلك.
أقول:
هذا لا يفيد أمرا زائدا على ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها من قولها، فلو جاء عنها حديثان أو ثلاثة أو أكثر وقلنا إنه حصل لها شيء من الوهَم عند كبر السن فلا جديد، ولكن الذي يفيد في الموضوع هنا أن تأتي رواية عن أحد الصحابة الآخرين بسند صحيح بمثل ما ثبت عنها من أنها كانت يوم زواجها بنت تسع سنين، وهذا ما لم أجده حتى الآن.
وذكرت في أصل البحث ما رُوي عن عبد الله بن مسعود مما يؤيد قول عائشة، وبينت أنه ضعيف ومعلول.
* ـ قال الأخ الفاضل: "هل يليق نسبة الوهَم لها؟!".
أقول:
إذا حصل لها هذا فعلا فلمَ لا يليق؟، فهذا ليس فيه تهمة انتقاص، وقد أشارت هي رضي الله عنها إلى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهِم في بعض الروايات، فما استنكره أحد، ولا قال أحد إنه لا يليق.
ووهِم أنس بن مالك رضي الله عنه حيث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن أُخِّرَ هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة"، وهذا رواه أربعة من الرواة عن أنس، وعرَفنا تصحيح الرواية من حديث عائشة رضي الله عنها إذ روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن يعشْ هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم". وهنالك فرق كبير بين قوله "حتى تقوم الساعة"، وبين قوله "حتى تقوم عليكم ساعتكم".
* ـ قال الأخ الفاضل: "إذا كانت السيدة عائشة وهِمت بقولها فكيف بفعلها عندما تلعب بلعب لا يلعب فيها إلا صغار السنّ ولا يلعب بها الكبار، إذا كان عمر السيدة عائشة يزيد على العشرين، بل كان عمرها بعد غزوة تبوك فاق السابعة والعشرين".
ثم ذكر هنا ثلاثة أحاديث يحتج بها:
ذكر الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحبُ لي، فصرختْ بي، فأتيتها، لا أدري ما تريد بي، فأخذتْ بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج، حتى سكن بعض نفَسي، ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتْني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعْني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين. وقال: "هذا لا يمكن أن يتطرقه الوهم، لأنه حكاية حال قاطع بصغر سنها، وليس قولا صادرا عنها".
وذكر الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من طريق عروة كذلك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحبُ يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي.
وذكر الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بناتٍ لعائشة لعبٍ، فقال: "ما هذا يا عائشة؟". قالت: بناتي. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟". قالت: فرس. قال: "وما هذا الذي عليه؟". قالت: جناحان. قال: "فرس له جناحان؟!". قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟!. قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه.
أقول:
جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت يوم زفافها تلعب بالأرجوحة مع صواحبها، وجاء عنها أنه كان لها لعَب من البنات تلعب بهن بعد زواجها مع صواحبها كذلك، وكأن الأخ الفاضل يقول: إذا كانت سنها يوم الزواج تسع سنين فهذا الذي روته عن نفسها غيرُ مستبعد من بنت التاسعة، وأما إذا كانت سنها يوم الزواج ثمانية عشر عاما فهذا الذي روته عن نفسها مستبعد من بنت الثامنة عشرة!.
أقول: نعم، فيه شيء من الغرابة، ولكن لا أراه شديد الغرابة ولا مستبعدا، ولعل هذا كان في الفترة الأولى بعد الزواج، خاصة وأنها لم تحمل جنينا فيلهيها عن تلك اللعب اللاتي تلعب بهن مع صويحباتها.
وهنا يحق للأخ الفاضل أن يتساءل: فماذا نقول في الحديث الذي تقدم من رواية أبي داود؟!، وهل استمرتْ على اللعب بالبنات والفرس الذي له جناحان حتى زمان غزوة تبوك أو خيبر؟!.
أقول:
كانت غزوة تبوك في رجب سنة تسع، وكانت غزوة خيبر قبلها بعامين ونصف في المحرم سنة سبع، وكان عمر السيدة عائشة يوم غزوة تبوك قرابة ستة وعشرين عاما، لكن هذا الحديث في سنده ضعف، وهو معلول بالاضطراب:
فأما السند ففيه يحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهذا وثقه العجلي ويعقوب بن سفيان والبزار وإبراهيم الحربي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: صدوق.
وقال فيه ابن حنبل: سيئ الحفظ. وقال ابن سعد: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: محله الصدق، يُكتب حديثه ولا يُحتج به. وقال الإسماعيلي: لا يُحتج به. وقال أبو أحمد الحاكم: إذا حدث من حفظه يخطئ، وما حدث من كتاب فليس به بأس. وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب.
فمثل هذا الراوي إذا انفرد بشيء فإنه ليس بحجة.
وأما الإعلال بالاضطراب فإن أبا داود والبيهقي رويا هذا الحديث من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، ورواه ابن حبان من طريق عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن سالم أبي النضر عن عروة عن عائشة أنها قالت: دخل علي صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب باللعب، فرفع الستر وقال: "ما هذا يا عائشة؟". فقلت: لُعب يا رسول الله. قال: "ما هذا الذي أرى بينهن؟". قلت: فرس يا رسول الله. قال: "فرس من رقاع له جناح؟". قالت: فقلت: ألم يكن لسليمان بن داود خيل لها أجنحة؟!. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتبين أن يحيى بن أيوب قد اضطرب في رواية هذا الحديث سندا ومتنا، حيث وهِم في تغيير أسماء بعض رجال السند وزاد في المتن قصة القدوم من غزوة، وهو موصوف بسوء الحفظ وبأنه في بعض حديثه اضطراب، وهذا كاف في رد روايته هذه.
وأستغرب ممن يحسن الرواية التي انفرد بها يحيى بن أيوب مع أنه قد اضطرب فيها سندا ومتنا.
وحيث إن أصل الحديث ثابت في الصحيحين من رواية عروة عن عائشة بدون ما زيد فيه فرواية يحيى بن أيوب من طريق عروة متوافقة مع رواية الصحيحين، فالظاهر أنها هي الصحيحة، وأنه كان ضابطا لها، وأن روايته الأخرى هي التي حصل فيها الخلل، وهي التي جاء فيها ذكر قدومه صلى الله عليه وسلم من غزوة مع تغيير في بعض رجال السند، وأنها هي الرواية الضعيفة.
* ـ ذكرتُ في البحث قصة مجيء خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة وعَرْضَها عليه أن تخطِب له ولم يكن عنده زوجة أخرى غير خديجة، وقلت: يدل السياق على أن خولة رضي الله عنها أرادت أن تخطِب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة السيدة خديجة لأنه أصبح بلا زوجة، وفي غاية البعد أن تخطِب له في هذه الحال من لها من العمر ست سنوات!!، لكن إذا كانت بنت أربع عشرة سنة فهذا معقول.
فعلق الأخ الفاضل على ذلك بقوله عني: "يستنتج أنه من غاية البعد أن تخطب خولة للنبي صلى الله عليه وسلم فتاة لها من العمر ست سنوات، ويختصر الرواية ولا يذكر خاتمتها التي صرحت بعمر السيدة عائشة عن ذلك، بل يخالف اسنتاجَه كذلك روايةٌ رواها الإمام أحمد وغيره عن السيدة خولة بنت حكيم وفيها تصريح بأن السيدة عائشة كان عمرها تسع سنوات".
أقول:
الاستبعاد للرواية هنا هو من باب أن الرجل الذي ماتت زوجته وليس له زوجة أخرى غيرها لا يُعقل أن تُخطب له بنت ست سنين. فتنبه.
أما مسألة اختصار الرواية وأني لم أذكر خاتمتها التي صرحت بعمر السيدة عائشة فهذا لا بد فيه من بيان وإيضاح:
روى الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه في مسنديهما عن محمد بن بشر العبدي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنهما قالا: لما هلكتْ خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تزوج؟!. الحديث. وفي آخره: "قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بيتنا، وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ بنت تسع سنين".
ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي من طريقين آخرين عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة به نحوه.
فالرواية في مسندي أحمد وإسحاق صورتها صورة الإرسال، ولكن الحديث حديث عائشة، بدليل أن في آخر الرواية عندهما "قالت عائشة: فقدمنا المدينة، وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ بنت تسع سنين". وصرحت الرواية في المصادر الأربعة الأخرى كذلك بأن إسناد الرواية هو "عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة". فرجع هذا الحديث إلى أنه من رواية عائشة نفسها.
وأستغرب ممن يذكر اللفظ الذي جاء في مسند أحمد وفيه خلال سرد القصة: "فقال لخولة ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعتْه فزوجها إياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين". يظن أن هذا يؤيد ما جاء عن عائشة!، وكأن هذه الرواية رواية غيرها لا روايتها هي!، وهذا الظن مجانب للصواب، فالحديث حديث عائشة، كما في أكثر المصادر، وهذه الكلمة هي من أحد الرواة مما أخذه من قول عائشة في الرواية ذاتها، وقد جاءت هذه الكلمة عند إسحاق بن راهويه وابن أبي عاصم والحاكم "وهي يومئذ ابنة ست سنين"، وجاءت عند الطبراني "وأنا يومئذ ابنة ست سنين". وهذا من أسلوب الالتفات، واستعماله كثير في الروايات الحديثية.
وأؤكد فأقول: هذه الرواية هي عن عائشة، وهي لا تفيد أمرا زائدا على ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها من قولها، والذي يفيد في الموضوع هنا هو أن تأتي رواية عن أحد الصحابة الآخرين بسند صحيح بمثل ما ثبت عن عائشة من أنها كانت يوم زواجها بنت تسع سنين، وهذا ما لم أجده حتى الآن.
وقول الأخ الفاضل هنا "روايةٌ رواها الإمام أحمد وغيره عن السيدة خولة بنت حكيم" هو مخالف للحقيقة والواقع، وهو كلام من لا اشتغال له بكتب الحديث، لأن قوله هذا يعني أن هذا الحديث في مسند الإمام أحمد هو من مسند خولة بنت حكيم وروايتها، وليس الأمر كذلك، فخولة بنت حكيم في هذا الحديث ـ في مسند أحمد ومصادر الحديث الأخرى ـ هي مجرد خاطبة، لم تحدِّث هي به قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حدَّث به عنها أحد الرواة، وهو من مسند عائشة وروايتها.
* ـ قلت في البحث: ذكر الأئمة رحمهم الله تعالى أن الحديث إذا خالف متنـُه ما هو أقوى ثبوتا منه من ثوابت التاريخ فإنه يُرد، لأن ذلك يدل على أنه قد تطرق إليه الخلل بسبب وقوع أحد رواته في الوهَم.
فعلق الأخ الفاضل على ذلك بقوله: [لو أن ما يعتمِد عليه رواياتٌ ثابتة في تحديد تاريخ ولادة عائشة رضي الله عنها ومتفق عليها بين المؤرخين لكان بالإمكان أن نرد الروايات الصحيحة المنقولة عنها بسبب إمكان تطرق الوهم والنسيان إليها، ولكن عندما نجد أن هذه الروايات التاريخية التي يستند إليها مطعون فيها، ونجد من التابعين والحفاظ والمحدثين يروون خلافها فهذا يجعلنا نتمسك برواية الصحيحين وغيرهما ونستبعد طروق الوهم والنسيان إليها، ومن ذلك ما قاله الحافظ الذهبي رحمه الله: "وكانت ـ يعني أسماء - أسن من عائشة ببضع عشرة سنة". (سير أعلام النبلاء 2/ 188) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ولدت عائشة رضي الله عنها بعد المبعث بأربع سنين أو خمس". (الإصابة : 8/ 16)].
أقول:
قوله "نجد من التابعين والحفاظ والمحدثين يروون خلافها" فيه تجاهل لأمثال هؤلاء من الرواة الذين رووا الأحاديث المشتملة على قرائن حديثية مخالفة لحديث عائشة، والتي أهملها الأخ الفاضل ولم يذكرها.
قول الذهبي وابن حجر وغيرهما من العلماء السابقين واللاحقين هو بحسب الرواية المشهورة التي هي أمام أعينهم بالأسانيد الصحيحة المتعددة عن عائشة رضي الله عنها، وهذا ليس قولا قالوه بعد تمحيص وتدقيق، وإنما هو قول مشهور نقلوه.
الإمام الذهبي رحمه الله قال في سير أعلام النبلاء عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما إنها كانت أسن من عائشة ببضع عشرة سنة، وهذا في ترجمة أسماء، ولكنه قال بعد بضعة أسطر "قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر".
ثم قال الذهبي في السير بعد ذلك في ترجمة ولدها عبد الله بن الزبير: كانت أسن من عائشة بسنوات. ثم قال: قال ابن أبي الزناد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين. وعلق عليه بقوله: "فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة، وأما هشام بن عروة فقال: عاشت مئة سنة ولم يسقط لها سن". وذكر في تاريخ الإسلام في ترجمة أسماء قول ابن أبي الزناد وعلق عليه بمثل ما علق به عليه في السير.
فأنت ترى أن الذهبي العالم المؤرخ يذكر ـ هنا ـ الروايات المختلفة وكأنه متردد في الترجيح بينها، ولم يقف عندها طويلا للجمع والمقارنة والترجيح، مع أنه كان قد قال في ترجمة عائشة قبل ترجمة أسماء وترجمة عبد الله بن الزبير: "عائشة ممن وُلد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين، ودخل بها وهي ابنة تسع"!، ولو كان مستمرا على جزمه بما ذكره في ترجمة عائشة لزيف ما ذكره عنها في ترجمة أختها أسماء وترجمة ابن أختها عبد الله بن الزبير.
* ـ إذا كانت القرائن التاريخية التي أوردتُها غير كافية فهناك قرائن من كتب الحديث تشير إلى أن عائشة رضي الله عنها كانت أسنَّ مما ورد في الرواية المشهورة، وهي القرائن التي جاءت في بحثي تحت الأرقام التالية 2، 3، 7، 8، 9، 10، وكأن الأخ الفاضل أعرض عنها لأن نفسه لا تحتمل أن تراها، أو لعل له ملحظا آخر، والله أعلم، فلا هو ذكرها، ولا هو أشار إليها مجرد إشارة، وهي قرائن تاريخية من كتب الحديث.
ثم وجدت بعض من وقف على مقالتي ومقالة الأخ الباحث المعترض على البحث فرجح قوله على قولي حتى بعد أن علم أن هذا الأخ الباحث أغفل الكلام على ست قرائن إغفالا تاما!!.
وأكرر القول بأن القرائن غير الأدلة، واجتماع عدة قرائن يشكل دليلا، وإذا كثرت القرائن فإنها تشكل دليلا قويا على ما دلت عليه.
* ـ قال الأخ الفاضل عني: "يعتمد في الفرق العمري بين عائشة وأسماء رضي الله عنهما على رواية ابن أبي الزناد دون أن يتطرق للروايات الأخرى، ودون أن يتطرق إلى ما قيل فيه من الجرح والتعديل".
ثم قال: " لا يصح الاعتماد على رواية ابن أبي الزناد، وذلك لما يأتي: 1- انفراد عبد الرحمن بن أبي الزناد (100هـ - 174هـ) بتحديد الفرق بين عمري أسماء وعائشة رضي الله عنهما بعشر سنين، وأما الأدلة السابقة فهي أدلة كثيرة جاءت عن غير واحد من التابعين، ومعلوم أن الكثرة تقدم على القلة. 2- لأن الرواية التي نقلها عنه ابن عبد البر في الاستيعاب ليست على سبيل القطع بل فيها تردد، حيث قال فيها: وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين أو نحوها. فقوله "أو نحوها" توافق الروايات المشهورة أن بينهما بضع عشرة سنة. 3- تضعيف أكثر أهل العلم لعبد الرحمن بن أبي الزناد نفسه: فقد جاء في ترجمته في تهذيب التهذيب (6/ 172) قول الإمام أحمد فيه: مضطرب الحديث. وقول ابن معين: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث. قال ابن حبان: كان عبد الرحمن ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات وكان ذلك من سوء حفظه وكثرة خطئه فلا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات فهو صادق. قال الحافظ الذهبي: قلت: هو حسن الحديث. ويتبين من هذا أن ما ينفرد به ابن أبي الزناد ويخالف به الثقات لا حجة فيه".
أقول:
القول التاريخي الذي يقوله رجل من أتباع التابعين وتؤيده روايات فيها قرائن متعددة لا يجوز إغفاله.
أقوال المتأخرين في تحديد عمر السيدة عائشة هي نقل لما عندهم من الرواية المشهورة واستنساخ لما فيها.
السؤال الآن: هل يوجد أي مصدر آخر في هذه المسألة غير ما قالته أم المؤمنين عائشة؟!!، ومن قال نعم محتجا بالروايات الواردة عنها فهو احتجاج على الدعوى بالدعوى ذاتها، لأن السؤال هو عن أي مصدر آخر، فقوله مصادرة على المطلوب.
عبد الرحمن بن أبي الزناد مدني من أتباع التابعين، صدوق لقنوه أحاديث ببغداد فحدَّث بها، فضعَّف الأئمة ما حدَّث به من الحديث ببغداد دون ما حدَّث به بالمدينة، وقد رجع الأخ الفاضل إلى تهذيب التهذيب ونقل منه بعض الأقوال في تضعيفه وتجاهل ما يقابلها، فمما ورد فيه في الكتاب ذاته:
قال موسى بن سلمة: قدمت المدينة فأتيت مالك بن أنس فقلت له إني قدمت إليك لأسمع العلم وأسمع ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد. وقال أبو داود عن ابن معين: أثبت الناس في هشام بن عروة عبد الرحمن بن أبي الزناد. وقال علي بن المديني: ما حدث بالمدينة فهو صحيح وما حدث ببغداد أفسده البغداديون. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق وفي حديثه ضعف. وقال أحمد فيما حكاه الساجي: أحاديثه صحاح. وقال ابن معين فيما حكاه الساجي: عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة حجة. وقال الترمذي والعجلي: ثقة. وقال الآجري عن أبي داود: كان عالما بالقرآن عالما بالأخبار.
لا شك في أنه ليس بحجة في رواية الحديث الذي ينفرد بروايته، ولكن قوله وهو مدني في أمر تاريخي في أعمار الصحابيات المدنيات مقبول لا أرى مسوغا لعدم قبوله، وقد أثنى عليه أبو داود وقال: كان عالما بالأخبار. فإذا قال لنا "كانت أسماء بنت أبي بكر أكبر من عائشة بعشر سنين" فإن من غير المقبول تضعيفَه هنا وردَّ روايته.
القول بأن هناك أدلة سابقة كثيرة جاءت عن غير واحد من التابعين كلام لم يذكر قائله دليلا واحدا من تلك الأدلة التي جاءت عن غير واحد من التابعين، بل ولا قول أي واحد من التابعين.
هناك جماعة من التابعين سمعوا من عائشة رضي الله عنها حديثها في مقدار عمرها يوم العقد عليها ويوم زواجها ورووه عنها، لكن هل هناك تابعي واحد قال إن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على عائشة وهي ابنة ست أو تزوجها وهي ابنة عشر؟!. إن وجدنا ولو واحدا جاز لنا أن نقول إن هذا القول قال به فلان من التابعين، وإلا فلا.
كلمة "وكانت أكبرَ من عائشة بعشر سنين أو نحوها" تعني أن الفرق عشر سنين قد تزيد قليلا أو تنقص قليلا، أي قد تزيد أو تنقص بأشهر أو بسنة مثلا، وتفسيرها بأنها قد تزيد بضع سنوات بعيد في الاستعمال اللغوي، فلو كان الفرق سبع سنين أو ثلاث عشرة سنة مثلا فلا يقول القائل إن الفرق بينهما "عشر سنين أو نحوها".
ثم إن أسماء توفيت بعد الهجرة بثلاثة وسبعين عاما وقد بلغت مئة، وهذا يعني أنها ولدت قبل البعثة النبوية بأربعة عشر عاما، وإذا كانت عائشة قد ولدت بعد البعثة بأربعة أعوام ـ وهذا على القول المشهور ـ فإنه يعني أن أسماء أكبر منها بثمانية عشر عاما!. فهل هذه النتيجة متوافقة مع الروايات المروية عن عائشة؟!.
* ـ من الأمور المهمة في الموضوع هو أن الأخ الفاضل لا يفرق في هذا الحوار بين الدليل وبين القرينة، فيناقش القرائن على أنها أدلة، ويردها بحجة أنها لا ترقى لمستوى الدليل.
لو تأمل كلامي حيث أقول إنها قرائن لكان حواره مختلفا جدا، ولو كنت أرى أن كل واحدة من تلك القرائن على درجة عالية من القوة لسميتها أدلة، ولكنني قلت إنها قرائن، والقرائن ليست بمستوى الأدلة.
أين الدليل إذن؟.
الدليل هو مجموع القرائن، واجتماع تلك القرائن العشر على أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت قد ولدت قبل البعثة النبوية وليس بعدها بأربع سنوات هو الدليل على أنه قد حصل في المسألة وهَم.
أتمنى من الأخ الفاضل والقراء الكرام قراءة تلك القرائن العشر بهدوء وتأمل وروية، ويبقى بعد ذلك لكل منا إن شاء الله اجتهاده وأجره، وهو يتولى الصالحين.
{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم}.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 19/ 4/ 1439، الموافق 6/ 1/ 2018، والحمد لله رب العالمين.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.