بسم
الله الرحمن الرحيم
كتب
أحد الإخوة الباحثين تعليقا على الحوار الذي كتبته(https://salahsafa.blogspot.com/2018/10/blog-post_22.html) حول كلام الشيخ الكشميري عن
حديث إلصاق المنكب بالمنكب، فأجبت بقولي: "أتمنى أن يعود الكاتب إلى كلامي
ويعيد القراءة بهدوء وتأمل مرة أو مرتين، وأن يخبرني بعد ذلك: هل كلام الشيخ
الكشميري رحمه الله متوافق مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة التي هي
محل البحث أو لا، وأتمنى أن يتأمل الفرق بين كلام الكشميري وكلام الذين يرد عليهم
وكلامي".
أجاب
ـ حفظه الله بخير وعافية ـ بهذا الجواب:
[قبل
أعيد قراءة مقال الكاتب الكريم مرة أو مرتين
بهدوء كما تمني ذلك أتمني أن يقرأ هو نفسه مقاله ويسائل نفسه هل كل الناس
متساوون في القامات والأقدام ؟ فكيف يمكن
الصاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم
بالمعني الحقيقي؟ وهل يمكن أن يأمر الشارع بما لا يمكن تحقيقه للمكلف ولو بشق
الأنفس الا لبعض الأفراد؟ واذا كان هذا هو
مقصود الشارع الحكيم كما يفهمه الكاتب فما معني "حاذوا بين المناكب والأقدام
؟ وهل الإلصاق والمحاذاة بمعني واحد حقيقة لامجازا؟ هذه هي الاشكالية الحقيقية عند ائمة
الحديث والفقهاء وأراد حلها الحافظ ابن
حجر والعلامة العيني والقسطلاني
وجري علي منوالهم الإمام الكشميري ولا غرابة في كلامهم اطلاقا يقول العلامة المحدث محمد زكريا الكندهلوي :
"في كتابه البديع "الأبواب والتراجم اعلم أنه لا يتصور الصاق الكعبين
والمنكبين من الجانبين الا لبعض الناس بتكلف وهيئة غير هيئة الصلاة والخضوع
فالمراد القرب والمحاذاة في الكعبين وكذا المراد في المنكبين ألا تري البعض لا تكون قدمه متساويتين
بقدمي صاحبه وكذا المراد من الصاق
القدم وبهذا قال الجمهور ان المراد شدة
القرب لا الإلصاق الحقيقي قال الحافظ
المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد
خلله وهكذا قال العيني والقسطلاني
ويقول الكاندهلوي: وأبدع
عندي الإمام البخاري في
الترجمة اذ ترجم " بالزاق
المنكب والقدم "-(لابالمنكب -) لأن
حقيقة الإلصاق لا يتصور في المناكب الا أن يكون كل الصف متساوي القامة وكذا الصاق
القدم لا يمكن الا ان يكونوا كلهم متساوي الأقدام وهذان ممتنعان عادة فترجم بهما
البخاري اشارة الي انه لا يمكن فيهما الا
المبالغة في القرب والمحاذاة
لا الإلصاق الحقيقي ثم ذكر حديث
النعمان تعليقا للإشارة الي أن ما هو المراد في الأولين هو المراد في الثالث لإتحاد سياق الروايات (الأبواب والتراجم 1/851 مع أزكي التحيات].
أقول:
أعدت
قراءة مقالي كما تمنى الأخ الباحث سلمه الله.
لم
يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بإلصاق المنكب بالمنكب، ولكنه
أقرهم على ذلك حين رآهم يفعلون ذلك، فهو يرى عليه الصلاة والسلام صفوفهم في الصلاة
من وراء ظهره، وإنما أمرهم بالتراصِّ حيث قال "أقيموا صفوفكم وتراصُّوا فإني
أراكم من وراء ظهري"، والتراص أن يلصَق بعضُهم ببعض حتى لا يكون بينهم خلل،
فكانوا ينضمون إلى بعضهم ويتلاصقون، ولا شك في أنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم يلصقون
المنكب بالمنكب في حالة التساوي في الطول. ومنكِب الشخص مجتمع عظم العضد والكتف.
أما
إذا انضم بعضهم إلى بعض وتلاصقوا وتراصوا وكانوا غير متساوين في الطول فإن المناكب
لا تتلاصق وتكون على سمت واحد. وهذا في غاية السهولة.
لكن
لا ينبغي أن تكون متباعدة، وهذا بخلاف ما فهمه الشيخ الكشميري من الحديث حيث قال: [قال
الحافظ: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله. قلت: وهو مراده عند الفقهاء
الأربعة، أي أنْ لا يترك في البين فرجة تسع فيها ثالثا]. هذا نص كلامه بحروفه.
التلاصق
والتراص في الأقدام ممكن جدا إذا لم ندخل فيه التلاصق في الكعوب، وهو في غاية
السهولة.
لم
أذكر في كلامي إلصاق الكعب الكعب، وهذا اللفظ ليس في الصحيحين، وفي ثبوته نظر.
لا
يمكن أن يأمر الشارع بما لا يمكن تحقيقه للمكلف ولو بشق الأنفس إلا لبعض الأفراد،
ومن نسب إلي متسرعا أن هذا المعنى هو الذي فهمتُه من الحديث فقد أدى به تسرعُه إلى
أن ينسُب إلي ما لم أقله ولم يخطـُر لي على بال.
لم
يكن ـ حسب علمي ـ قبل ظهور جماعة الفهم المتطرف إشكالٌ عند المحدثين والفقهاء في
فهم الأحاديث الواردة في هذه المسألة، ويبدو أنهم كانوا يقفون عند إلصاق المنكب
بالمنكب والقدم بالقدم ولا يعيرون إلصاق الكعب بالكعب أي اهتمام.
قال
الأخ الباحث: [يقول الكاندهلوي: وأبدع
عندي الإمام البخاري في
الترجمة اذ ترجم " بالزاق
المنكب والقدم "- (لا بالمنكب -)].
أقول:
قول الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي "وأبدعَ عندي الإمامُ البخاري في الترجمة اذ
ترجم بالزاق المنكب والقدم لا بالمنكب" قول غريب جدا، فعنوان الباب عند
البخاري هو "باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف"، وهذا
بخلاف ما نقله الشيخ محمد زكريا عن البخاري. وانظر: صحيح البخاري وعددا من شروحه للتحقق
من عنوان الباب الذي عنون به البخاري، ومنها شرح صحيح البخاري لابن بطال، والكواكب
الدراري للكرماني، وفتح الباري لابن رجب، والتوضيح لابن الملقن، ومصابيح الجامع
للدماميني، واللامع الصبيح للبرماوي، وفتح الباري لابن حجر، والكوثر الجاري
للكوراني، وإرشاد الساري للقسطلاني، وفيض الباري للكشميري. فسقط بذلك كلامه الذي
قاله في توجيه عنوان الباب عند البخاري من أصله.
حفظ
الله الأخ الباحث بخير وعافية، وجمعنا على محبته سبحانه ومحبةِ حبيبه المصطفى صلى
الله عليه وسلم ومحبةِ سنته الشريفة وتوقيرِ سلفنا الصالحين.
وكتبه
صلاح الدين الإدلبي في 18/ 3/ 1440، الموافق 26/ 11/ 2018، والحمد لله رب
العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.