الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

حوار حول كلام الشيخ الكشميري عن حديث إلصاق المنكب بالمنكب ـ 2 ـ

 بسم الله الرحمن الرحيم
كتب أحد الإخوة الباحثين تعليقا على الحوار الذي كتبته(https://salahsafa.blogspot.com/2018/10/blog-post_22.html)  حول كلام الشيخ الكشميري عن حديث إلصاق المنكب بالمنكب، فأجبت بقولي: "أتمنى أن يعود الكاتب إلى كلامي ويعيد القراءة بهدوء وتأمل مرة أو مرتين، وأن يخبرني بعد ذلك: هل كلام الشيخ الكشميري رحمه الله متوافق مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة التي هي محل البحث أو لا، وأتمنى أن يتأمل الفرق بين كلام الكشميري وكلام الذين يرد عليهم وكلامي".
أجاب ـ حفظه الله بخير وعافية ـ بهذا الجواب:
[قبل أعيد قراءة مقال الكاتب الكريم مرة أو مرتين  بهدوء كما تمني ذلك أتمني أن يقرأ هو نفسه مقاله ويسائل نفسه هل كل الناس متساوون في القامات  والأقدام ؟ فكيف يمكن الصاق المنكب  بالمنكب والقدم بالقدم بالمعني الحقيقي؟ وهل يمكن أن يأمر الشارع بما لا يمكن تحقيقه للمكلف ولو بشق الأنفس الا لبعض الأفراد؟ واذا كان  هذا هو مقصود الشارع الحكيم كما يفهمه الكاتب فما معني "حاذوا بين المناكب والأقدام ؟ وهل الإلصاق والمحاذاة  بمعني واحد  حقيقة لامجازا؟ هذه هي الاشكالية الحقيقية عند ائمة الحديث  والفقهاء وأراد حلها الحافظ ابن حجر  والعلامة العيني  والقسطلاني  وجري علي منوالهم الإمام الكشميري ولا غرابة في كلامهم اطلاقا يقول  العلامة المحدث محمد زكريا الكندهلوي : "في كتابه البديع "الأبواب والتراجم اعلم أنه لا يتصور الصاق الكعبين والمنكبين من الجانبين الا لبعض الناس بتكلف وهيئة غير هيئة الصلاة والخضوع فالمراد القرب والمحاذاة في الكعبين وكذا المراد في المنكبين  ألا تري البعض لا تكون قدمه متساويتين بقدمي  صاحبه وكذا المراد من الصاق القدم  وبهذا قال الجمهور ان المراد شدة القرب لا الإلصاق الحقيقي  قال الحافظ المراد بذلك  المبالغة في تعديل الصف وسد خلله  وهكذا قال العيني  والقسطلاني  ويقول  الكاندهلوي:  وأبدع  عندي  الإمام البخاري في الترجمة  اذ ترجم " بالزاق المنكب  والقدم "-(لابالمنكب -) لأن حقيقة الإلصاق لا يتصور في المناكب الا أن يكون كل الصف متساوي القامة وكذا الصاق القدم لا يمكن الا ان يكونوا كلهم متساوي الأقدام وهذان ممتنعان عادة فترجم بهما البخاري  اشارة الي انه لا يمكن فيهما الا المبالغة  في القرب  والمحاذاة  لا الإلصاق الحقيقي   ثم ذكر حديث النعمان تعليقا للإشارة الي أن ما هو المراد في الأولين هو المراد في الثالث  لإتحاد سياق الروايات  (الأبواب والتراجم 1/851 مع أزكي التحيات].
أقول:
أعدت قراءة مقالي كما تمنى الأخ الباحث سلمه الله.
لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بإلصاق المنكب بالمنكب، ولكنه أقرهم على ذلك حين رآهم يفعلون ذلك، فهو يرى عليه الصلاة والسلام صفوفهم في الصلاة من وراء ظهره، وإنما أمرهم بالتراصِّ حيث قال "أقيموا صفوفكم وتراصُّوا فإني أراكم من وراء ظهري"، والتراص أن يلصَق بعضُهم ببعض حتى لا يكون بينهم خلل، فكانوا ينضمون إلى بعضهم ويتلاصقون، ولا شك في أنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم يلصقون المنكب بالمنكب في حالة التساوي في الطول. ومنكِب الشخص مجتمع عظم العضد والكتف.
أما إذا انضم بعضهم إلى بعض وتلاصقوا وتراصوا وكانوا غير متساوين في الطول فإن المناكب لا تتلاصق وتكون على سمت واحد. وهذا في غاية السهولة.
لكن لا ينبغي أن تكون متباعدة، وهذا بخلاف ما فهمه الشيخ الكشميري من الحديث حيث قال: [قال الحافظ: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله. قلت: وهو مراده عند الفقهاء الأربعة، أي أنْ لا يترك في البين فرجة تسع فيها ثالثا]. هذا نص كلامه بحروفه.
التلاصق والتراص في الأقدام ممكن جدا إذا لم ندخل فيه التلاصق في الكعوب، وهو في غاية السهولة.
لم أذكر في كلامي إلصاق الكعب الكعب، وهذا اللفظ ليس في الصحيحين، وفي ثبوته نظر.
لا يمكن أن يأمر الشارع بما لا يمكن تحقيقه للمكلف ولو بشق الأنفس إلا لبعض الأفراد، ومن نسب إلي متسرعا أن هذا المعنى هو الذي فهمتُه من الحديث فقد أدى به تسرعُه إلى أن ينسُب إلي ما لم أقله ولم يخطـُر لي على بال.
لم يكن ـ حسب علمي ـ قبل ظهور جماعة الفهم المتطرف إشكالٌ عند المحدثين والفقهاء في فهم الأحاديث الواردة في هذه المسألة، ويبدو أنهم كانوا يقفون عند إلصاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم ولا يعيرون إلصاق الكعب بالكعب أي اهتمام.
قال الأخ الباحث: [يقول  الكاندهلوي:  وأبدع  عندي  الإمام البخاري في الترجمة  اذ ترجم " بالزاق المنكب  والقدم "- (لا بالمنكب -)].
أقول: قول الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي "وأبدعَ عندي الإمامُ البخاري في الترجمة اذ ترجم بالزاق المنكب والقدم لا بالمنكب" قول غريب جدا، فعنوان الباب عند البخاري هو "باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف"، وهذا بخلاف ما نقله الشيخ محمد زكريا عن البخاري. وانظر: صحيح البخاري وعددا من شروحه للتحقق من عنوان الباب الذي عنون به البخاري، ومنها شرح صحيح البخاري لابن بطال، والكواكب الدراري للكرماني، وفتح الباري لابن رجب، والتوضيح لابن الملقن، ومصابيح الجامع للدماميني، واللامع الصبيح للبرماوي، وفتح الباري لابن حجر، والكوثر الجاري للكوراني، وإرشاد الساري للقسطلاني، وفيض الباري للكشميري. فسقط بذلك كلامه الذي قاله في توجيه عنوان الباب عند البخاري من أصله.
حفظ الله الأخ الباحث بخير وعافية، وجمعنا على محبته سبحانه ومحبةِ حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومحبةِ سنته الشريفة وتوقيرِ سلفنا الصالحين.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 18/ 3/ 1440، الموافق 26/ 11/ 2018، والحمد لله رب العالمين.



الجمعة، 23 نوفمبر 2018

* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: - 12 -

هذه الرواية رواها البخاري ومسلم من خمسة طرق عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى، وفيها "فلما غربت الشمس"، وهذا يعني أن الشمس كانت قد غابت وأن ذلك الرجل الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيجدح لهم إنما أراد الانتظار بعد غياب قرص الشمس لمزيد التحقق من الغروب، وذلك بسبب بقاء شيء من ضوء النهار، حتى أعْلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن الأفضل تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب وإقبال الليل من الجهة المقابلة وإن كان قد بقي شيء من ضوء النهار.
ـ ورواه البخاري من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال لرجل: "انزل فاجدحْ لي". قال: يا رسول الله، الشمس!. قال: "انزل فاجدح لي". قال: يا رسول الله، الشمس!. قال: "انزل فاجدح لي". فنزل فجدح له، فشرب، ثم رمى بيده ههنا، ثم قال: "إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم".
في هذه الرواية أن الرجل كان ما يزال يرى شيئا من قرص الشمس، وليس فيها أن الشمس كانت قد غربت، فهي من باب الخطأ الواضح، وقد أشار البخاري رحمه الله إلى إعلالها حيث رواها في باب الصوم في السفر والإفطار ولم يروها في أحد البابين اللذين روى فيهما الرواية الصحيحة.
ـ وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 9/ 4/ 1440، الموافق 17/ 11/ 2018، والحمد لله رب العالمين.



الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: - 11 -


روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق عبد الرزاق عن معْمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أرسِل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت؟!. فرد الله عليه عينه وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب، ثم ماذا؟. قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل اللهَ أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلو كنتُ ثَم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".
رواه في باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة هكذا موقوفا من قول أبي هريرة ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم سوى الجزء المرفوع في آخر الحديث، ورواه كذلك في باب وفاة موسى عليه السلام، وعقب عليه في الموضع الثاني بقوله: [قال: وأخبرنا معْمر عن همَّام قال حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه]. أي إن عبد الرزاق بن همَّام راوي الرواية الموقوفة عن معْمر رواها كذلك عنه عن همَّام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الرواية المرفوعة من طريق همَّام بن منبه عن أبي هريرة رواها ابن حنبل في مسنده ومسلم وابن حبان في صحيحيهما، وهي معروفة مشهورة من صحيفة همام بن منبه، وقد روى البخاري في صحيحه عشرات الأحاديث المسندة من هذه الصحيفة.
فعدوله ـ وهو الإمام الحافظ الناقد ـ عن سياقتها مساق الروايات المسندة واكتفاؤه بسياقة الرواية الموقوفة مع ذكر إسناد المرفوعة دون المتن في ذيل رواية أخرى دليل واضح على أنه يصحح الرواية الموقوفة هنا ويعل المرفوعة.
ومن كان في شك من هذا فليقرأ ـ متكرما ـ كتاب منهج الإمامين البخاري ومسلم في إعلال المرويات الحديثية.
ـ وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 8/ 4/ 1440، الموافق 16/ 11/ 2018، والحمد لله رب العالمين.




الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018

* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: - 10 -


ـ روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، وأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. وعن ابن عباس أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج. وعن جابر بن عبد الله أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهلوا بالحج مفردا. رواهن في باب التمتع والإقران والإفراد بالحج، وروى في باب آخر عن ابن عمر أنه قال: أهلَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وأهللنا به معه.
ـ وروى عن أنس أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا والعصرَ بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء، حمد اللهَ وسبح وكبر ثم أهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ الناس بهما. وعن أنس أنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، وسمعتهم يصرخون بهما جميعا. وعن أنس أنه قال: كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بهما جميعا الحج والعمرة. رواهن في باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة، وفي باب رفع الصوت بالإهلال، وفي باب الارتداف في الغزو والحج.
وحيث إن هذه الرواية عن أنس في أن النبي صلى الله عليه وسلم أهلَّ بحج وعمرة تخالف الروايات الثابتة عن عدد من الصحابة فإن البخاري لم يروها في باب التمتع والإقران والإفراد بالحج، ورواها في الأبواب الثلاثة المذكورة البعيدة عن موضوع القِران.
ـ وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 7/ 4/ 1440، الموافق 15/ 11/ 2018، والحمد لله رب العالمين.



الاثنين، 19 نوفمبر 2018

* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: - 9 -


ـ روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أنس بن مالك أنه قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا". ورواه عنه كذلك أنه قال: "قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على رعل وذكوان". وهذا في باب القنوت قبل الركوع وبعده، وفي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، وفي أبواب أخرى.
وحيث إنه قنت بعد الركوع شهرا يدعو على هذه الأحياء من العرب الذين قتلوا القراء فهذان البابان مناسبان لهذا الحديث.
ـ وروى عن أنس أنه دعا عليهم أربعين صباحا.
وحيث إن هذه الرواية قد وقع فيها خلل في عدد الأيام فإنه لم يروها في أحد ذينك البابين المناسبين، ورواها في باب آخر بعيد عن معناهما، وهو باب من يُنكب في سبيل الله.
ـ وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 6/ 3/ 1440، الموافق 14/ 11/ 2018، والحمد لله رب العالمين.