الخميس، 30 أبريل 2020

ن أسقط وجوب ركن من أركان الإسلام الخمسة فهو كافر

قال أبو منصور البغدادي عبد القاهر بن طاهر المتوفى سنة 429 من أئمة الأشاعرة في كتابه الفرق بين الفرق: "اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين كل ركن منها يجب على كل عاقل بالغ معرفةُ حقيقته، ولكل ركن منها شعب، وفي شعبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد وضللوا من خالفهم فيها، وأول الأركان التي رأوها من أصول الدين إثبات الحقائق والعلوم، والركن الثاني هو العلم بحدوث العالم، والركن الثالث في معرفة صانع العالم وصفات ذاته، والركن الرابع في معرفة صفاته الأزلية، والركن الخامس في معرفة أسمائه وأوصافه، والركن السادس في معرفة عدله وحكمته، والركن السابع في معرفة رسله وأنبيائه، والركن الثامن في معرفة معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، والركن التاسع في معرفة ما أجمعت الأمة عليه من أركان شريعة الإسلام، والركن العاشر في معرفة أحكام الأمر والنهى والتكليف، والركن الحادي عشر في فناء العباد وأحكامهم في المعاد، والركن الثاني عشر في معرفة الخلافة والإمامة، والركن الثالث عشر في أحكام الإيمان والإسلام، والركن الرابع عشر في معرفة أحكام الأولياء ومراتب الأئمة الاتقياء، والركن الخامس عشر في معرفة أحكام الأعداء من الكفرة وأهل الأهواء، فهذه أصول اتفق أهل السنة على قواعدها وضللوا من خالفهم فيها، وفى كل ركن منها مسائل أصول ومسائل فروع، وهم يجمعون على أصولها وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا".
ثم قال:"وقالوا في الركن التاسع المضاف إلى أركان شريعة الإسلام: إن الاسلام مبني على خمسة أركان: شهادة أنْ لا إله الا الله وأنَّ محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وقالوا من أسقط وجوب ركن من هذه الأركان الخمسة أو تأولها على معنى موالاة قوم فهو كافر".

القراءة على الشيوخ أو أخذ الإجازة لتحصيل اتصال السند



* ـ كثيرون من طلاب العلم اليوم يحرِصون على أن يكون عندهم إسناد متصل برواية الأحاديث النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعوا أن العلماء الكبار كانوا يقرؤون كتب الحديث على شيوخهم بغية اتصال الإسناد، وأنهم كانوا إذا فاتتهم القراءة اكتفَوا بأخذ الإجازة من الشيوخ ليتصل الإسناد عن طريقهم.
نشطتْ حركة القراءة على الشيوخ والحصول على الإجازات منذ بضعة عقود من الزمان، إذ يشتري الراغبون في اتصال الإسناد لبعض كتب الحديث الشريف برسول الله صلى الله عليه وسلم نسخةً من السوق ليقرؤوها على شيخ عنده بها إجازة، أو كان قد حصَّل نسخة وقرأها على أحد شيوخه الذي كان له بها إجازة من أحد الشيوخ.
* ـ كان بعض الشيوخ ينص في الإجازة المقرونة بالقراءة أو غير المقرونة بها على أن هذه الإجازة على الشرط المعتبر عند أهل الحديث، والشرط المعتبر عند أهل الحديث لا بد منه حتى ولو لم ينصَّ المجيز في الإجازة على ذلك، كما سيأتي بعون الله.
لا بد هنا من أن نتساءل: ما الشرط المعتبر عند أهل الحديث؟:
* ـ قال الإمام الترمذي المتوفى سنة 279 رحمه الله في كتاب العلل الصغير الذي بآخر كتاب السنن: "القراءة على العالم إذا كان يحفظ ما يُقرأ عليه أو يمسك أصله فيما يُقرأ عليه إذا لم يحفظ: هو صحيح عند أهل الحديث مثل السماع". [سنن الترمذي بتحقيق بشار عواد معروف: 6/ 246. شرح علل الترمذي لابن رجب: 1/ 499].
* ـ قال الإمام الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم المتوفى سنة 327 وهو ابن الإمام الحافظ أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 277 رحمهما الله في كتابه الجرح والتعديل: سمعت أبي ذكرَ عبدَ الحميدِ بنَ إبراهيم فقال: "ذكِر أنه سمع كتب عبد الله بن سالم عن الزُبَيدي، إلا أنها ذهبت كتبه، فقال لا أحفظها، فأرادوا أن يعْرضوا عليه فقال لا أحفظ، فلم يزالوا به حتى لان، فحدثهم بها، وليس هذا عندي بشيء، رجل لا يحفظ وليس عنده كتب؟!!". [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 6/ 8].
* ـ قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم المتوفى سنة 405 رحمه الله في كتابه المدخل إلى كتاب الإكليل: "الطبقة الثامنة مِن المجروحين قومٌ سمعوا كتبا مصنفة من شيوخ أدركوهم ولم ينسخوا أسماعهم عند السماع، وتهاونوا بها إلى أن طعنوا في السن وسئلوا عن الحديث، فحملهم الجهل والشره على أن حدثوا بتلك الكتب من كتبٍ مشتراةٍ ليس لهم فيها سماع وهم يتوهمون أنهم في رواياتهم صادقون!". [المدخل إلى كتاب المجروحين للحاكم: ص 65].
قف عند قوله "مِن كتب مشتراة"، فقد كانوا يخافون من وقوع اختلافات بين النسخ، أما وقوع التحريف والزيادة فهي طامات.
ثم قال: "الطبقة العاشرة من المجروحين قوم كتبوا الحديث ورحلوا فيه وعُرفوا به فتلفت كتبهم بأنواع من التلف، فلما سُئلوا التحديثَ حدثوا بها من كتب غيرهم أو من حفظهم على التخمين، فسقطوا بذلك، منهم عبد الله بن لهيعة الحضرمي على محله وعلو قدره". [المدخل إلى كتاب المجروحين للحاكم: ص 67].
* ـ قال الإمام الحافظ الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 رحمه الله في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: "يجب على من كتب نسخة من أصلِ بعض الشيوخ أن يعارض نسخته بالأصل، فإن ذلك شرط في صحة الرواية من الكتاب المسموع". [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/ 275].
قلت: إذا كان من الواجب على من كتب نسخة من أصل بعض الشيوخ أن يعارض نسخته بالأصل وهو شرط في صحة الرواية من الكتاب المسموع فما حكم من يصحح الرواية بإجازة عن إجازة عن إجازة وهلم جرا وليس هناك نسخة الأصل ولا نسخة منسوخة عنها ليُقال هل هي معارَضة ومقابَلة بها أو لا؟!. لا شك في أن الرواية بمثل هذا لا تفيد شيئا من الاتصال.
* ـ روى الإمام الحافظ المعمَّر أبو عمر يوسف بنُ عبدِ الله ابنُ عبد البر المتوفى سنة 463 رحمه الله في كتابه جامع بيان العلم عن عبد اللّه بن عمر العمري أنه قال: "كنت أرى الزهري يأتيه الرجل بالكتاب لم يقرأه عليه ولم يُقرأ عليه فيقول له: أرويه عنك؟. قال: نعم".
وعلق ابن عبد البر على هذا فقال: "هذا معناه أنه كان يعرف الكتاب بعينه ويعرف ثقة صاحبه ويعرف أنه من حديثه، وهذه هي المناولة، وفي معناها الإجازة إذا صحّ تناوله ذلك". [جامع بيان العلم وفضله بتحقيق أبي الأشبال الزهيري: 2/ 1155].
وقال ابن عبد البر: "اختلف العلماء في الإجازة، فأجازها قوم وكرهها آخرون، وفيما ذكرنا في هذا الباب دليل على جوازها إذا كان الشيء الذي أجيز به معينا ومعلوما محفوظا مضبوطا وكان الذي تناوله عالما بطرق هذا الشأن، وإن لم يكن ذلك على ما وصفتُ لم يُؤمن أن يحدث الذي أجيز له عن الشيخ بما ليس من حديثه، وقد رأيت قوما وقعوا في مثل هذا، وما أظن الذين كرهوا الإجازة كرهوها إلا لهذا". ثم قال: "وتلخيص هذا الباب أن الإجازة لا تجوز إلا لماهر بالصناعة حاذق بها يعرف كيف يتناولها وتكون في شيء معين معروف لا يشكل إسنادُه، فهذا هو الصحيح من القول في ذلك". [جامع بيان العلم وفضله بتحقيق أبي الأشبال الزهيري: 2/ 1158، 1159].
قلت: رحم الله الإمامَ الحافظ ابن عبد البر رحمة واسعة.
* ـ قال الإمام الحافظ القاضي عياض المتوفى سنة 544 رحمه الله في كتابه الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع في بيان أنواع تلقي الحديث عن الشيخ:
"الضرب الثاني: القراءة على الشيخ، وسواء كنتَ أنت القارئَ أو غيرُك وأنت تسمع أو قرأتَ في كتاب أو من حفظ وكان الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه أو يمسك أصله، ولا خلاف أنها رواية صحيحة". [الإلماع للقاضي عياض: ص 70]. ومن قرأها "أو كان الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه أو يمسك أصله" فقد وهِم.
قلت: أي لا بد لصحة القراءة على الشيخ من أن يكون الشيخ ممن يحفظ ما يُقرأ عليه أو يكونَ ممسكا بكتابه الذي سمع فيه من شيخه فيما إذا لم يكن يحفظ ما يُقرأ عليه، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك فإن القراءة عليه هباء لا يُعتد بها عند أهل العلم.
ثم قال: "الضرب الثالث: المناولة، وهي أيضا على أنواع: أرفعها أن يدفعَ الشيخ كتابه الذي رواه أو نسخةً منه وقد صححها فيقولَ للطالب هذه روايتي فاروها عني، أو يأتيَه الطالب بنسخة صحيحة من رواية الشيخ أو بجزء من حديثه فيقفَ عليه الشيخ ويعرفـَه ويحققَ جميعه وصحته ويجيزَه له، فهذا كله عند مالك وجماعة من العلماء بمنزلة السماع". [الإلماع للقاضي عياض: ص 79].
ثم قال: "مِن المناولة أن يعرض الشيخ كتابه ويناولَه الطالب ويأذنَ له في التحديث به عنه ثم يمسكـَه الشيخ عنده ولا يمكِّنَه منه، فهذه مناولة صحيحة أيضا تصح بها الرواية والعمل، لكن بعد وقوع كتاب الشيخ ذلك للطالب بعينه أو انتساخه نسخةً منه أو تصحيحِ كتابه متى أمكنه بكتابه أو بنسخة وثق بمقابلتها به".  [الإلماع للقاضي عياض: ص 82 ـ 83].
ثم ذكر وجها من أوجه الإجازة المختلَف في صحتها وبيَّن صحته إذا تحقق فيه شرطان فقال: "الوجه الثاني: أن يجيز لمعيَّن على العموم والإبهام دون تخصيص ولا تعيين لكتب ولا أحاديث، كقوله قد أجزت لك جميع رواياتي أو ما صح عندك من رواياتي، فهذا الوجه هو الذي وقع فيه الخلاف تحقيقا، والصحيح جوازه وصحة الرواية والعملِ به بعد تصحيح شيئين: تعيين روايات الشيخ ومسموعاته وتحقيقها، وصحة مطابقة كتب الراوي لها". [الإلماع للقاضي عياض: ص 91 ـ 92].
قلت: قف عند قوله "وصحةِ مطابقة كتب الراوي لها".
ثم روى القاضي عياض رحمه الله من طريق أبي ذر الهروي أنه قال: أخبرنا أبو العباس المالكي قال: "لمالكٍ شرط في الإجازة: أن يكون الفرع معارَضا بالأصل حتى كأنه هو، وأن يكون المجيز عالما بما يجيز ثقة في دينه وروايته معروفا بالعلم، وأن يكون المُجاز من أهل العلم متسِما به حتى لا يضع العلم إلا عند أهله، وكان يكرهها لمن ليس من أهله". [الإلماع للقاضي عياض: ص 94 ـ 95].
[أبو العباس المالكي هو الوليد بن بكر بن مخلد الغمري، أندلسي سَرَقُسْطي ثقة مات سنة 392، قال عنه الحُميدي في جذوة المقتبس وابن عساكر في تاريخ دمشق: ألـَّف في تجويز الإجازة كتابا سماه كتاب الوجازة، وسمع منه عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي].
ثم قال: "أما الشرطان الأولان فواجبان على كل حال، في السماع والعرض والإجازة وسائر طرق النقل، إلا اشتراط العلم فمختلف فيه". [الإلماع للقاضي عياض: ص 95].
قلت: قف عند قوله "أن يكون الفرع معارَضا بالأصل حتى كأنه هو، وأن يكون المجيز عالما بما يجيز"، وعند قولِه "أما الشرطان الأولان فواجبان على كل حال في السماع والعرض والإجازة وسائر طرق النقل".
ثم قال القاضي عياض: "الذي ذهب إليه أهل التحقيق من مشايخ الحديث وأئمة الأصوليين والنظار أنه يجب أن لا يحدث المحدثُ إلا بما حفظه في قلبه أو قيده في كتابه وصانه في خزانته، فيكون صونُه فيه كصونه في قلبه، حتى لا يدخله ريب ولا شك في أنه كما سمعه، وكذلك يأتي لو سمع كتابا وغاب عنه ثم وجده أو أعاره ورجع إليه وحقق أنه بخطه أو الكتابُ الذي سمع فيه بنفسه ولم يرْتبْ في حرف منه ولا في ضبط كلمة ولا وجد فيه تغييرا، فمتى كان بخلاف هذا أو دخله ريبٌ أو شكٌّ لم يجز له التحديث بذلك، إذ الكل مجمعون على أنه لا يحدث إلا بما حقق، وإذا ارتاب في شيء فقد حدَّث بما لم يحقق أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ويُخشى أن يكون مغيرا فيدخلَ في وعيد من حدث عنه بالكذب وصار حديثه بالظن، والظن أكذب الحديث". [الإلماع للقاضي عياض: ص 135].
ثم قال: "إذا صح الخبر والرواية كما قدمنا بالعرض أو المناولة أو الإجازة لم تضرَّ المسامحة في القراءة، إذ هي شيء زائد على جواز ما تقدم إذا صحت المعارضة بالأصول والمقابلة بكتاب الشيخ". [الإلماع للقاضي عياض: ص 142].
ثم قال: "أما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لا بد منها، ولا يحل للمسلم التقي الروايةُ ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخةٍ تحققَ ووثِقَ بمقابلتها بالأصل وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون". [الإلماع للقاضي عياض: ص 158 ـ 159].
أقول:
قول القاضي عياض رحمه الله في القراءة على الشيخ "وسواء كنتَ أنت القارئَ أو غيرُك وأنت تسمع أو قرأتَ في كتاب أو من حفظ وكان الشيخ يحفظ ما يُقرأ عليه أو يمسك أصله ولا خلاف أنها رواية صحيحة": يعني أن الشيخ إذا كان في حال القراءة عليه لا يحفظ ما يُقرأ عليه ولا يمسك أصله فالرواية عنه بهذه القراءة غير صحيحة، وهذا إذا كان هو أصلا قد أخذ الرواية عن شيخه من أصل مصحَّح أو فرع قوبل على ذلك الأصل، فإذا لم يكن عنده أصل مصحَّح أو فرع قوبل على ذلك الأصل فالرواية عنه غير صحيحة من باب أولى. فتنبه، رعاك المولى.
وتأملْ قوله "أما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لا بد منها ولا يحل للمسلم التقي الروايةُ ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخةٍ تحققَ ووثِقَ بمقابلتها بالأصل".
وأقول: هذا هو الواجب على المسلم التقي في باب الرواية، وهو مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به، لأنه لا يحل للمسلم التقي الروايةُ ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخةٍ تحققَ ووثِقَ بمقابلتها بالأصل، فمن لم يكن يعلم ذا ولم يلتزم به في هذا الباب فعليه إصلاحُ ما تقدم منه وتداركُ ما فاته.
وأقول: رحم الله الإمامَ الحافظ عياض بن موسى رحمة واسعة.
* ـ قال الحافظ السِلَفي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني المعمَّر المتوفى سنة 576 في كُتَيِّبه شرط القراءة على الشيوخ: "إما أن يكون الراوي عارفا بما يرويه عالما بالذي يؤديه أو غير عارف بذلك ولا عالم: فإن كان عالما وبحديثه عارفا فاستماعه إلى القارئ وإقراره بالمقروء عليه بقوله نعمْ أو ما في معناه مغْنٍ عما عداه، سواء كان القارئُ من أهل المعرفة بدقائق المحدثين أو لم يكن بها من العارفين أو قرأه من الأصل أو من الفرع المنسوخ منه، فإنه يعرف حديثه ويردُّ عليه الخطأ والتصحيف، وإن كان الراوي شيخا صحيح السماع إلا أنه لا يعرف حديثه فالاعتماد في روايته على المفيد عنه لا عليه، يقلده السامعون فيما يقرؤه وينتخبه بعد تيقنهم أنه ثقة عارف بحديث الشيخ، إلا أنه مع ذلك كله لا يستغني عن إعلام الشيخ حال القراءة أن الجزء عمن سمعه ومَن الذي به حدثه؟، وقراءتُه عليه من أصل سماعه أو من فرعه المنقول من الأصل المقابَل به: سيان، وكذلك قراءته عليه من الفرع المكتوب من الأصل قبل المقابلة وأحدُ الحفاظ المبرزين ينظر فيه ويضبط له حتى يصححه: بمثابة القراءة من الأصل أو الفرع المقابَل المصحَّح، إذ القصد من ذلك كله حصول السماع على وجه الصحة". [شرط القراءة على الشيوخ: ص 43 ـ 46].
وقال في كتابه الوجيز في ذكر المُجاز والمجيز: "اعلمْ أن الإجازة جائزة عند فقهاء الشرع وعلماء الحديث، قرنًا فقرنًا وعصرا فعصرا إلى زماننا هذا". [ص 53].
ثم قال: "في الإجازة كما لا يخفى دوامُ ما قد رُوي وصح من أثر، ويجب التعويل عليها والسكون أبدا إليها، من غير شك في صحتها، إذ أعلى الدرجات في ذلك السماعُ ثم المناولة ثم الإجازة، ولا يُتصور أن يبقى كل مصنَّف على وجه السماع المتصل ولا ينقطعَ منه شيء بموت الرواة وفقْد الحفاظ الوعاة، فيُحتاج عند وجود ذلك إلى استعمال سبب فيه بقاء التأليف، فالوصول إذًا إلى روايته بالإجازة فيه نفع عظيم، إذ المقصود به إحكام السنن المروية في الأحكام الشرعية وإحياء الآثار على أتم الإيثار، سواء كان بالسماع أو القراءة أو المناولة أو الإجازة، لكن الشرط فيه المبالغة في الضبط والإتقان، والتوقي من الزيادة والنقصان، وأنْ لا يُعول فيما يُروى عن الشيخ بالإجازة إلا على ما يُنقل من خط مَن يُوثق بنقله ويُعول على قوله". [ص 54 ـ 55].
أقول:
قوله "لكن الشرط فيه المبالغة في الضبط والإتقان وأنْ لا يُعول فيما يُروى عن الشيخ بالإجازة إلا على ما يُنقل من خط مَن يُوثق بنقله" يعني أن مِن شرْط صحة الرواية بالإجازة المبالغةَ في الضبط والإتقان في الجزء أو الكتاب الذي يجيز الشيخ للطالب أن يرويه عنه.
وهذا يقتضي أن يكون هناك من ذلك الجزء الحديثي أو الكتاب الذي يريد الشيخ أن يجيز للطالب روايته عنه نسخةٌ مسموعة مضبوطة متقنة متداوَلة بأيدي الشيوخ فيستعيضَ الشيخ عن القراءة بأن يجيز الطالبَ رواية ذلك الجزء أو الكتاب عنه.
ولو كان المراد غير هذا لكان اشتراطُ أن يكون السماع في القراءة على الشيخ من أصل النسخة المقروءة أو من فرع قوبل على ذلك الأصل وإباحةُ الإجازة دون مثل ذلك الاشتراط نوعا من العبث، فتدبر.
* ـ ذكر الإمام الحافظ محمد بنُ عبدِ الغني ابنُ نقطة البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 629 رحمه الله أحدَ الرواة في كتابه التقييد وقال عنه: "رحل إلى نيسابور، وسمع من القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري، وكان سماعه منه صحيحا، غير أنه أفسد نفسه بكونه يتساهل بالتحديث من غير أصل". [التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد: ص 53 ـ 54].
قلت: فالشيخ الذي يحدث الناس من غير أصل ـ أي من غير نسخة متلقاة بالسماع أو من نسخة منقولة عنها ومقابَلة بها من ثقة عارف ـ فقد أفسد نفسه وأفسد الغرض الذي اجتمع لأجْله من يقرؤون عليه.
* ـ قال الإمام الفقيه عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح الشهرزوري المتوفى سنة 643 في كتابه معرفة أنواع علوم الحديث في النوع الثالث والعشرين وهو معرفة صفة من تُقبل روايته ومن تُرد روايته: "لا تُقبل رواية من عُرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه، كمن يحدث لا من أصل مقابَل صحيح، وهذا يخرم الثقة بالراوي وبضبطه". [ص 119].
ثم قال: "أعرض الناسُ في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بيَّنَّا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه، لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم، فلْيُعتبرْ من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض، ولْيُكتفَ في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف، وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخطِّ غير متهَم، وبروايته من أصلٍ موافِقٍ لأصل شيخه". [ص 120].
ثم قال: "المناولة المقرونة بالإجازة لها صور: منها: أن يدفعَ الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابَلا به ويقولَ هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم يملكَه إياه أو يقولَ خذه وانسخه وقابلْ به ثم ردَّه إلي أو نحوُ هذا، ومنها: أن يجيءَ الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضَه عليه فيتأملَه الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيدَه إليه ويقولَ له وقفتُ على ما فيه وهو حديثي عن فلان أو روايتي عن شيوخي فاروه عني أو أجزت لك روايته عني، ومنها: أن يناول الشيخُ الطالبَ كتابه ويجيزَ له روايته عنه ثم يمسكَه الشيخ عنده ولا يمكِّنَه منه، فهذا يتقاعد عما سبق، لعدمِ احتواء الطالب على ما تحمَّله وغيبتِه عنه، وجائز له رواية ذلك عنه إذا ظفر بالكتاب أو بما هو مقابَل به على وجهٍ يثق معه بموافقته لِما تناولتْه الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة، ومنها: أن يأتيَ الطالبُ الشيخَ بكتاب أو جزء فيقولَ هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبَه إلى ذلك من غير أن ينظر فيه ويتحققَ روايته لجميعه، فهذا لا يجوز ولا يصح، فإن كان الطالب موثوقا بخبره ومعرفته جاز الاعتماد عليه في ذلك وكان ذلك إجازة جائزة، كما جاز في القراءة على الشيخ الاعتمادُ على الطالب حتى يكون هو القارئَ من الأصل إذا كان موثوقا به معرفة ودينا". [ص 165 ـ 166].
قوله "إذا ظفر بالكتاب" أي إذا ظفر بكتاب الشيخ، أي نسخة الشيخ، كما هو ظاهر.
* ـ قال الحافظ عبدُ الرحمن بنُ أحمدَ ابنُ رجب البغدادي الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة 795 رحمه الله في كتابه شرح العلل: [اشترط الترمذي لصحة العرض على العالم أن يكونَ العالم حافظا لما يُعرض عليه أو يمسكَ أصله بيده عند العرض عليه إذا لم يكن حافظا، ومفهوم كلامه أنه إذا لم يكن المعروض عليه حافظا ولا أمسك أصله أنه لا تجوز الرواية عنه بذلك العرض، ورخـَّص طائفة في التحديث من الكتاب لمن لا يحفظ، وهذا إذا كان الخط معروفا موثوقا به والكتاب محفوظا عنده]. [شرح علل الترمذي لابن رجب: 509 ـ 512].
أقول: رحم الله ابن رجب رحمة واسعة.
* ـ هذا وقد ضعَّف الأئمة المحدثون عددا من الرواة بسبب روايتهم عن شيوخهم من نسخ غيرِ مقابَلة على الأصل، ومن أمثلة ذلك:
قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل: ذكرَ أبِي محمدَ بنَ كثير المصيصي فضعَّفه جدا وقال: "سمع من معْمر باليمن، ثم بعث إلى اليمن فأخذها فرواها". وقال: "هو منكر الحديث". [العلل ومعرفة الرجال لابن حنبل رواية ولده عبد الله: 3/ 251]. ونقله عنه مع الإقرار: البخاريُّ في التاريخ الكبير والترمذي في العلل الكبير.
وقال ابن حبان في كتاب المجروحين: "عمر بن حفص أبو حفص العبدي كان ممن يشتري الكتب ويحدث بها من غير سماع، قال يحيى بن معين: أبو حفص العبدي ليس بشيء". [كتاب المجروحين لابن حبان: 12/ 55 ـ 56].
وانظر ـ على سبيل المثال ـ ما قالوه في إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس وعبد الله بن لهيعة وهشام بن عمار والوليد بن محمد المُوَقـَّري.
* ـ قد يقول قائل: هل لعدم تحقق ذلك الشرط المعتبر عند أهل الحديث أي أثر في نقل الأحاديث النبوية؟!.
أقول: نعم، لأننا إذا نقلنا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسخة مشتراة من السوق اعتمادا على الرواية بالإجازة التي لم يتحقق فيها الشرط المعتبر عند أهل الحديث وكان في تلك النسخة خلل ما لأنها غيرُ نسخة الشيخ وليست مقابَلة على نسخته: فنكون قد عرَّضنا أنفسنا للدخول تحت قوله صلى الله عليه وسلم "مَن كذب عليَّ"، وكذلك فيما إذا كان ذلك الشيخ قد روى عن شيخه بمثل ذلك، وكذا شيخه عن شيخ شيخه، وهلم جرا.
* ـ فإن قيل: كيف يتحقق الاتصال في أسانيد الأحاديث والروايات اليوم إذا لم نجد اتصال الرواية بالقراءةِ على الشيوخ أو الإجازةِ بالشرط المعتبر عند علماء الحديث؟.
قلت: اتصال الأسانيد اليوم هو بالاعتماد على الوجادة بشروطها، وذلك بما نجد من النسخ المخطوطة التي كتبها العلماء والوراقون الثقات الذين عُرفت خطوطهم وأثبت فيها الكاتب إسناده بالنسخة إلى المؤلف، مع التثبت من خط كاتب النسخة وصحة ذلك الإسناد.
وإذا لم يكن من المتيسر لكل طالب علم أن يراجع بنفسه المخطوطات فلا بد من الاعتماد على من رجع إليها وقابل نص الكتاب بالنسخ الموثقة إذا كان ثقة مأمونا.
وهذا هو الطريق الصحيح للرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في العصور التي انقطعت فيها القراءة على الشيوخ بشرطها المعتبر عند أهل الحديث، وكذا الإجازة بالشرط المعتبر كذلك، وليس طريقَ القراءة والإجازة اللتين يعتمد عليهما كثير من طلاب العلم اليوم.
ومن آفات ذلك أن يقال عمن جمع شيئا من تلك الإجازات "العالم المسنِد"، أو "المحدِّث"!، وكذا أن يقال لمن يجيز غيره بمثل تلك الإجازات "المحدِّث المجيز"، ولمن يُجاز بها "المُجاز برواية الحديث"!.
وقد حصل هذا في غفلة عن الشروط المعتبرة عند أهل العلم المحققين، والمهزلةُ التي نشهدها اليوم ماثلة للعيان!.
* ـ من الممكن أن يُستأنس للوجادة بما رواه ابن عرفة في جزئه [19] واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة [5/ 995] والبيهقي في دلائل النبوة [6/ 538] والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث وقوام السنة في الترغيب والترهيب، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟". قالوا: الملائكة. قال: "وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم عز وجل؟!". قالوا: فالنبيون؟!. قال: "وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟!". قالوا: فنحن؟!. قال: "وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟!، ألا إن أعجب الخلق إلي إيمانا لقومٌ يكونون من بعدكم يجدون صحفا فيها كتب يؤمنون بما فيها".
إسناده ضعيف، وله شواهد عن عدد من الصحابة بين ضعيف وتالف، تحتمِل بمجموعها أن ترتقي لمرتبة الحديث الحسن، والله أعلم.
ـ أسأل الله تعالى أن يبصِّرنا بحقائق ديننا، وبمنهج أئمتنا السابقين ومن سار على طريقهم، بلطفه ومنه وكرمه.
ـ وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 29/ 8/ 1441، الموافق 22/ 4/ 2020، والحمد لله رب العالمين.






الخميس، 16 أبريل 2020

* ـ رجاء وأمل:


أرجو أن يتداعى أهل العلم الغيورون على دين الله عز وجل إلى الاجتماع والتحاور بشأن تشكيل لجان لمراجعة كتب التراث الإسلامي، بغية التعليق عليها بما يجلو صفاءها وينقيها من العوالق التي لحقت بها، وأعني بها الأقوال التي لا دليل عليها وتتنافى مع ما دل عليه الدليل، وهذه غير ما يتسع له اجتهاد المجتهدين المؤسس على استدلال غير منقوض، وذلك في ضوء نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة وما تفرع عن هذين الأصلين، مع التنبيه على أن مما تفرع عنهما: ما استمر عليه عمل الأمة من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمَن بعدهم من التابعين والأئمة المجتهدين.
الهجمة غير المنضبطة على السنة النبوية اليوم يتبناها أحيانا أناس من العَالَمَانيين الذين لا يؤمنون بالله تعالى وكتابه الكريم ولا برسوله صلى الله عليه وسلم وسنته الشريفة.
شتان بين من يريد هدْمَ السنة النبوية الثابتة وقدسيتِها وتشويهَ حمَلتِها من الأئمة الأعلام وبين من يريد الذب عن هذا الصرح المجيد بتنقيته من بعض العوالق مقتفيا آثارهم على منهج أئمة المحدثين، كالإمام أحمد ابن حنبل والبخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين والنسائي والدارقطني وغيرهم من أكابر أئمة هذا العلم الشريف رحمهم الله تعالى وأجزل لهم المثوبة.
الذي أراه باديا للعيان أنه إذا تقاعس أهل العلم الغيورون في هذا فإنهم يسْهمون من حيث لا يشعرون في تغذية الغبش الذين ران على عقول كثير من أبناء المسلمين، حتى إن كثيرين منهم وقعوا في أحابيل العَالَمَانيين المشككين في أركان الإيمان، وإذا استمر هذا الانحدار فستظهر أمواجٌ هائجة وأعاصيرُ عاتية تخْرج الكثيرين من أبناء المسلمين من حظيرة الدين، والعياذ بالله جل جلاله.
اللهم إني أعوذ بجلال وجهك من أن يدركني ذلك اليوم، اللهم وإذا أردتَ بقومي فتنة فاقبضني إليك غير مفتون.
كلمتي الأخيرة للمشايخ هي التذكير بقول الله تعالى [وسوف تُسألون].
اللهم تولنا بهدايتك ورعايتك وتسديدك وتوفيقك يا غياث المستغيثين ويا أرحم الراحمين.

الاثنين، 13 أبريل 2020

هل كان الإمام البخاري يقصد صحة السند والمتن جميعا في الجامع الصحيح؟:


هل كان الإمام البخاري يقصد صحة السند والمتن جميعا في الجامع الصحيح؟:

رُوي عن الإمام البخاري رحمه الله أنه قال: "ما أخرجت في كتابي إلا ما صح". والظاهر أنه كان يعني صحة الإسناد عنده، وأكثر ما يدور عليه كلام المحدثين في الصحة والضعف عند الإطلاق هو صحة الإسناد.
وهذه بعض الأدلة على ذلك:
ورواه [5052] من طريق أبي عوانة عن مغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف تصوم؟". فقلت: كل يوم. قال: "وكيف تختم؟". فقلت: كل ليلة. قال: "صم في كل شهر ثلاثة، واقرإ القرآن في كل شهر". فقلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم ثلاثة أيام في الجمعة". فقلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: "أفطر يومين وصم يوما". فقلت: أطيق أكثر من ذلك. قال: "صم أفضل الصوم صومَ داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة".
علق البخاري على قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية "واقرأ في كل سبع ليال مرة" فقال: "وقال بعضهم في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع". وهذه منه إشارة إلى إعلال ما سوى رواية السَبْع، محتجا بأن أكثر الرواة رووه هكذا، ولعله قاله معتمدا كذلك على الرواية الأولى التي تصرح بالنهي عن قراءة أكثر من سُبُع القرآن في اليوم، وهي "فاقرأه في سَبْع ولا تزد على ذلك".
حيث إن البخاري يرى صحة اللفظ الوارد في هاتين الروايتين فإنه رواهما في [باب في كم يقرأ القرآن]، وهو الباب المناسب للفظ الذي يصححه.
ورواه [1978] من طريق شعبة عن مغيرة بن مقسم عن مجاهد بن جبر عن عبد الله بن عمرو أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم من الشهر ثلاثة أيام". فقلت: أطيق أكثر من ذلك. فما زال حتى قال: "صم يوما وأفطر يوما". وقال: "اقرإ القرآن في كل شهر". فقلت: إني أطيق أكثر. فما زال حتى قال "في ثلاث".
وحيث إنه يرى عدم صحة اللفظ الوارد في هذه الرواية فإنه رواه في [باب صوم يوم وإفطار يوم]، وهو الباب المناسب للفظٍ آخر اشتمل عليه الحديث، وهو المتعلق بصيام يوم وإفطار يوم، ولم يروه في الباب الذي روى فيه الروايتين الأوليين.
لا يُقال هنا لمَ روى البخاري في صحيحه لفظةَ "في ثلاث" وهي معارضة لما هو أصح منها؟، لأنه قد يكون مقصِدُه هو التنبيهَ على عدم ثبوتها على الرغم من صحة الإسناد ولو ظاهرا.
* ـ روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه [6511] من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاةٌ يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة؟، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: "إن يعشْ هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم". قال هشام بن عروة: يعني موتهم.
وهذا معنى صحيح، كأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن أهل ذلك القرن لن يُعمَّر أحد منهم أكثرَ مما لو عُمِّر ذلك الولد حتى يصل إلى سن الهرم وبعد ذلك تقوم عليه ساعته، ولم يقل "حتى تقوم الساعة".
وقد روى البخاري [601] عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتَكم ليلتكم هذه، فإن رأس مئة سنة لا يبقى ممن هو اليومَ على ظهر الأرض أحد". قال عبد الله بن عمر: فوهِل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مئة سنة، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يبقى ممن هو اليومَ على ظهر الأرض"، يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن. وَهِل يوهَل وهَلا: فزع.
ـ وروى الإمام البخاري [6167] عن أنس أن رجلا من أهل البادية أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى الساعة قائمة؟. قال: "ويلك، وما أعددتَ لها؟". فقال: ما أعددتُ لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال: "إنك مع من أحببت". فقلنا: ونحن كذلك؟. قال: "نعم". ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن أخِّر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
ـ حيث إن البخاري يرى صحة اللفظ الوارد في رواية عائشة رضي الله عنها "حتى تقوم عليكم ساعتكم" فإنه رواه [في كتاب الرقاق في باب سكرات الموت]، وهو الباب المناسب له، لأن فيه ترقيق القلب بتذكيره بالموت، وحيث إنه يرى وقوع خلل في اللفظ الوارد في رواية أنس رضي الله عنه "حتى تقوم الساعة" فإنه لم يروه في باب قريب من هذا المعنى، وإنما رواه في باب مناسبٍ للفظٍ آخر اشتمل عليه الحديث، فرواه [في كتاب الأدب في باب ما جاء في قول الرجل ويلك]، وهو الباب المناسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل "ويلك وما أعددتَ لها؟". وفي هذا إشارة منه إلى إعلال هذه اللفظة هنا "حتى تقوم الساعة" الواردة في حديث أنس.
ـ لا يُقال هنا إن البخاري كان غافلا عن أن غلام المغيرة كان قد مات بالتأكيد قبل زمن تأليفه للجامع الصحيح بزمن طويل ولم تقم الساعة، كما لم يكن غافلا عن أن ذلك الغلام لا يُقال فيه ولا في غيره "لن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" بهذا الإطلاق، لأنه قد يكون مقصِدُه من روايته في الجامع الصحيح في باب بعيد عن هذا المعنى المفهوم من اللفظ المطلق هو التنبيهَ على عدم ثبوته بهذا اللفظ على الرغم من صحة الإسناد ولو ظاهرا.
ثم إنه روى اللفظ الصحيح الذي لم يتطرق إليه الخلل في الباب المناسب لمعناه في كتاب الرقاق من رواية عائشة رضي الله عنها، وهو "حتى تقوم عليكم ساعتكم"، وهذا من لطيف براعته، وفِقهُ البخاري في جامعه الصحيح ـ كما هو معلوم ـ هو في تراجم الأبواب.
ـ أما الذين لا يعرفون طريقة البخاري ومنهجه في صحيحه فإنهم يقولون إن البخاري يصحح حديث عائشة وحديث أنس بكلا اللفظين!، لأنه روى في صحيحه الحديثين كليهما، وهذا القول منهم مخالف لطريقة البخاري رحمه الله.
ـ وروى الإمام مسلم رحمه الله الحديثين في صحيحه، فقدَّم حديث عائشة وأخَّر حديث أنس، لأن من عادته تأخير ما وقع فيه خلل إلى آخر الباب، وفي هذا إشارة لطيفة منه إلى الخلل الواقع في رواية أنس.
أما الذين لا يتنبهون لهذا فيأخذون لفظا من ألفاظ الحديث مرويا في صحيح مسلم ويحتجون به!، ويقولون رواه مسلم في صحيحه!.
فرحمة الله على هذين الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري، ما أدق ملحظهما.
في هذه الرواية "فلما غربت الشمس"، وهذا يعني أن الشمس كانت قد غابت وأن ذلك الرجل الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيجدح لهم إنما أراد الانتظار بعد غياب قرص الشمس لمزيد التحقق من الغروب، وذلك بسبب بقاء شيء من ضوء النهار، حتى أعْلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن الأفضل تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب وإقبال الليل من الجهة المقابلة.
ـ ورواه [1941] من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال لرجل: "انزل فاجدحْ لي". قال: يا رسول الله، الشمس!. قال: "انزل فاجدحْ لي". قال: يا رسول الله، الشمس!. قال: "انزل فاجدح لي". فنزل فجدح له، فشرب، ثم رمى بيده ههنا، ثم قال: "إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم".
في هذه الرواية أن الرجل كان ما يزال يرى شيئا من قرص الشمس، وليس فيها أن الشمس كانت قد غربت، ومن المستحيل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجدح له قبل غياب قرص الشمس، فهي من باب الخطأ الواضح، وقد أشار البخاري رحمه الله إلى إعلالها حيث رواها في باب الصوم في السفر، ولم يروها في الباب الذي روى فيه الرواية الصحيحة.
السَويق: دقيق القمح أو الشعير أو السُلت المقلوّ. والسُلت هو حب بين البُر والشعير لا قشر له. والجدح: أن يحرك السويق بالماء ويخوض حتى يستوي. والمِجْدح: عود مجنح الرأس تساط به الأشربة، وربما يكون له ثلاث شعب.
أما الذي لم ينتبه إلى طريقة الإمام البخاري رحمه الله في إيراد الروايات في الأبواب فإنه قال: [جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحد أصحابه بأن يهيئ له الإفطار، فقال: يا رسول الله، النهار أمامنا!. يعني ضوء الشمس، ولو أنها غابت لكن لايزال ضوؤها ظاهرا من الناحية الغربية، ما ردَّ عليه الرسولُ عليه السلام، بل أكّد له الأمر بأن يُهيّئ الإفطار، يقول راوي الحديث: كنا نرى النهار أمامنا ـ أي ضوء النهار ضوء الشمس حينما أفطرنا ـ، لو أنَّ أحدنا ركب ناقته لرأى الشمس. الشمس غربت من هنا والرسول عليه السلام أمر أحد الصحابة أن يهيّئ الإفطار، لم؟، للتعجيل بالخير، "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر"].
وهذا خطأ ظاهر، لأنه لا يجوز للصائم الفطرُ في حالةِ ما إذا كان لو ركب ناقته لرأى الشمس.
ـ والحمد لله رب العالمين.
تذييل في حوار:
الروايات التي رأيتُ أنها معلولة وغير صحيحة يرى أحد الإخوة أنها صحيحة غير معلولة وأنها روايات مُجْمَلة ومتشابهة وخفية، وأنه يجب حملها على الروايات المفسرة والمبينة والظاهرة والمحْكمة!.
أقول:
المُجْمَل والمتشابه والخفي في مقابلة المُفَسَّر والظاهر والمحْكم هي ألفاظ يستعملها علماء أصول الفقه، ولذا فلا بد من بعض النقول من كتب أصول الفقه لبيان المراد بها قبل معرفة مدى صحة الرأي المخالف.
ـ قال الإمام الباجي المتوفى سنة 474 رحمه الله في كتابه المسمى بالإشارة في معرفة الأصول: "المجْمل ما لا يُفهم المراد به من لفظه، ويفتقر في البيان إلى غيره، نحو قوله تعالى {وآتوا حقه يوم حصاده}، فلا يُفهم المراد بالحق من نفس اللفظ ولا بد له من بيان يكشف عن جنس الحق وقدره، فإذا ورد مثل هذا وجب اعتقاد وجوبه إلى أن يرد بيانه فيجب امتثاله".
قال الباجي في كتابه المسمى بالحدود: [معنى المجْمَل أن يكون اللفظ يتناول جملة المعنى دون تفصيله، وورد على صفة تقع تحتها صفات وأجناس متغايرة، ولذلك قيل في حده "إنه لا يُفهم المراد به من لفظه"، لوقوعه على أجناس متباينة مختلفة، فلا يمكن امتثال الأمر به إلا بعد بيانه، لأن المأمور لو أراد امتثال الأمر به لم يمْكنه القصد إلى جنس مخصوص، لأن اللفظ المجمل لا يقتضيه ولا ينبئ عنه بمجرده، فلما كان هذا حكمَه افتقر إلى معنًى غيرِه يبينه ويوضح عن جنسه وقدره وصفاته وغير ذلك من أحكامه، وذلك مثل قوله تعالى {ومن قتِل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا}، فلفظة السلطان ههنا مجملة، لا يُعلم المراد بها من جنس مخصوص من قتلٍ أو دية أو حبس أو غير ذلك].
قال الباجي في كتاب الحدود: "المتشابه: هو المشكل الذي يُحتاج في فهم المراد به إلى تفكر وتأمل، ومعنى وصْفنا له بأنه متشابه أن يحتمل معاني مختلفة يتشابه تعلقها باللفظ، ولذلك احتاج تمييزُ المراد منها باللفظ إلى فكر وتأمل يتميز به المراد من غيره".
نقل الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 رحمه الله في كتابه الفقيه والمتفقه عن محمد بن الحسن بن فورك المتوفى سنة 406 رحمه الله أنه قال: "المحْكم: ما أحكِم بيانه وبُلغ به الغاية التي يُفهم بها المراد من غير إشكال والتباس، والمتشابه: هو الذي يحتمِل معنيين أو معاني مختلفة يشبه بعضها بعضا عند السامع في أول وهلة حتى يميز ويتبين وينظر ويعلم الحق من الباطل فيه".
* ـ هل الروايات التي ذكرتُ إعلالها هي روايات مُجْمَلة ومتشابهة وخفية وليست معلولة؟!.
* ـ الرواية المشتملة على جزء معلول من روايات الحديث الأول:
ـ روى البخاري رحمه الله عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم من الشهر ثلاثة أيام". فقلت: أطيق أكثر من ذلك. فما زال حتى قال: "صم يوما وأفطر يوما". وقال: "اقرإ القرآن في كل شهر". فقلت: إني أطيق أكثر. فما زال حتى قال "في ثلاث".
هذه الرواية نُقلت هكذا بهذا اللفظ، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله بن عمرٍو أن يقرأ القرآن في كل شهر مرة، ثم أذن له بأن يقرأ أكثر من ذلك لأنه وجده يطلب الإذن ويقول إنه يطيق أكثر، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم استجاب لطلبه أكثر من مرة بالزيادة، وأنه انتهى إلى الإذن بأن يقرأه في كل ثلاث ليال مرة، والمعنى ظاهر جلي لا يحتمِل أكثر من وجه عند من يفهم لغة العرب.
ـ من الغريب أن يجعل بعض الناس هذه الرواية في باب المُجْمَل أو المتشابه أو الخفي!!، فهل هي مما لا يُفهم المراد به من لفظه ويفتقر في البيان إلى غيره؟!!، وهل هي مما يحتمِل معنيين أو معاني مختلفة؟!!، وهل هي من المشكل الذي يُحتاج في فهم المراد به إلى تفكر وتأمل؟!!، وهل تحتمِل هذه الألفاظ معنى خفيا خلاف ظاهرها؟!!.
لا شك في أن الجواب هو النفي بكل تأكيد.
ـ هذه الرواية وقع في جزء منها خلل، حيث تضمنت الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي بأن يقرأ القرآن في كل ثلاث ليال!، والصواب هو ما في الروايات الأخرى المذكورة في البحث والتي سأذكرها بعون الله بعد قليل، وهو أنه أذن له بأن يقرأه في كل سبع ليال مرة، وهذا ما رجحه الإمام البخاري رحمه الله.
ـ روى البخاري هذا الحديث من طريق آخر عن عبد الله بن عمرٍو وانتهى الحديث عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "واقرأ في كل سبع ليال مرة". وليست هذه الرواية هي التي تعلُّ الرواية التي وقع فيها الخلل، لاحتمال أن يكون قد وقع فيها اختصار من أحد الرواة في سلسلة الإسناد فذكر الجزء المتعلق بالسبْع ونسي الجزء المتعلق بالثلاث.
لكن الرواية التي تعلها هي ما رواه البخاري في رواية أخرى عن عبد الله بن عمرٍو أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرإ القرآن في شهر". فقلت: إني أجد قوة. حتى قال: "فاقرأه في سَبْع ولا تزد على ذلك". وهنا تنتهي الرواية الصحيحة، وفيها النهي الصريح عن أن يقرأه في أقل من سبع.
وهذا ما جعل الإمامَ البخاري رحمه الله يعل الرواية التي فيها "فما زال حتى قال في ثلاث".
ومما يزيد الروايةَ الصحيحةَ تأكيدا ما رواه النسائي في السنن الكبرى [8010] من طريق يحيى بن حكيم بن صفوان عن عبد الله بن عمرو، وفي آخر الحديث أنه قال: قلت: أيْ رسولَ الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي. فقال: "اقرأ به في كل سبع". قلت: أيْ رسولَ الله، دعني أستمتع من قوتي وشبابي. فأبى. وكذا ما رواه النسائي في السنن الكبرى كذلك [8015] من طريق وهب بن منبه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، وقال في آخر الحديث: انتهى إلى سبع.
ـ جاء في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث لم يفقهه"، فهل هذه الرواية قرينة على صحة الرواية المشتملة على أنه أذن لعبد الله بن عمرو بأن يقرأه في كل ثلاث ليال؟!:
هذا الحديث "من قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث لم يفقهْه" رواه ابن أبي شيبة في المصنف [8661] والقاسم بن سلام في فضائل القرآن [ص 180] وابن حنبل [6535، 6841] والدارمي في السنن [1534] وأبو داود [1390، 1394] والترمذي [2949] وقال حسن صحيح! والفريابي في فضائل القرآن [142 ـ 145] والنسائي في الكبرى [8013] وابن ماجه [1347] وابن حبان في صحيحه! [758] من ثلاثة طرق عن قتادة بن دعامة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لذا فإن هذه الرواية لا تصلح أن تكون قرينة على صحة الرواية المشتملة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله بن عمرو بأن يقرأ القرآن في كل ثلاث ليال.
* ـ الرواية المشتملة على جزء معلول من روايات الحديث الثاني:
ـ روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه [6167] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لغلام: "إن أخِّرَ هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
هذه الرواية نُقلت هكذا بهذا اللفظ، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر مَن كان حاضرا من الصحابة أن ذلك الغلام إن أخِّر فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة، أي إن مد الله في عمره فلن يدركه الهرم حتى تقوم القيامة، وهذا هو معنى "حتى تقوم الساعة" عند الإطلاق في نصوص الكتاب والسنة، وهو المعنى الذي يُفهم من هذه الكلمة عند الصحابة، والمعنى ظاهر جلي عند كل من يفهم لغة العرب.
هذه الكلمة "حتى تقوم الساعة" وكذا قيام الساعة بهذا الإطلاق تعني القيامة والبعثَ للحساب والجزاء، ليس لها معنى في نصوص القرآن العظيم والسنة النبوية إلا هذا، وبذلك صار هذا المعنى لهذا اللفظ في نصوص الكتاب والسنة حقيقة شرعية، والساعة في اللغة هي الجزء من الليل أو النهار، لكن لا يمكن حمْل كلمة قيام الساعة في تلك النصوص على المعنى اللغوي بتاتا، لأنها بذلك تغدو فاقدة للمعنى.
ـ لمعرفة الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية أسوق هذين الاقتباسين:
قال الأُسْمَنْدي المتوفى سنة 552 رحمه الله في كتابه بذل النظر: "الحقيقة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: حقيقة لغوية، وحقيقة عُرفية، وحقيقة شرعية". ثم قال: "اللفظ الذي أفِيدَ به معنى: إن أفِيدَ بمواضعة أهل اللغة سميناه حقيقة لغوية، وإن أفِيدَ به بمواضعة أهل الشرع سميناه حقيقة شرعية".
وقال كمال الدين ابن إمام الكاملية المتوفى سنة 874 رحمه الله في كتابه تيسير الوصول إلى منهاج الأصول: "إذا ورد خطاب من الشارع فيُحمل على المنطوق الشرعي إن أمكن، لأن عرف الشارع أن يعرِّف الأحكام الشرعية، ولذلك بُعث، ولم يُبعث لتعريف الموضوعات اللغوية وغير الشرعية، وإن لم يكن له حقيقة شرعية أو كان ولم يمكن الحمل عليها حُمل على الحقيقة العرفية الموجودة في عهده عليه الصلاة والسلام".
ـ من الغريب أن يجعل بعض الناس هذه الرواية في باب المُجْمَل أو المتشابه أو الخفي!!، فهل هي مما لا يُفهم المراد به من لفظه ويفتقر في البيان إلى غيره؟!!، وهل هي مما يحتمِل معنيين أو معاني مختلفة؟!!، وهل هي من المشكل الذي يُحتاج في فهم المراد به إلى تفكر وتأمل؟!!، وهل تحتمِل هذه الألفاظ معنى خفيا خلاف ظاهرها؟!!.
لا شك في أن الجواب هو النفي بكل تأكيد.
ـ هذه الرواية وقع في جزء منها خلل، حيث تضمنت الإخبار بأن ذلك الغلام لو مد الله في عمره فإنه لا يدركه الهرم حتى تقوم القيامة!، والصواب هو ما في الحديث الآخر الذي روته عائشة رضي الله عنها المذكور في البحث، وهذا ما أشار إليه الإمام البخاري رحمه الله إشارة لطيفة من خلال عناوين الأبواب.
* ـ الرواية المشتملة على جزء معلول من روايات الحديث الثالث:
ـ روى البخاري [1941] من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل وهو في سفر مع جماعة من الصحابة وكان صائما: "انزل فاجدحْ لي". فقال ذلك الرجل: يا رسول الله، الشمس!. قال: "انزل فاجدحْ لي". فقال: يا رسول الله، الشمس!. قال: "انزل فاجدح لي". فنزل فجَدَح له، فشرب، ثم رمى بيده ههنا، ثم قال: "إذا رأيتم الليل أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم".
هذه الرواية نُقلت هكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ المخالف لما جاء في سائر الروايات، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من ذلك الرجل أن يمزج له السويق بالماء ليفطر عليه، فأخبره أن الشمس ما تزال بادية، فأعاد عليه الطلب، فكرر الإخبار عن الشمس، فأعاد عليه الطلب، ففعل ما طلبه منه، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم!.
ـ من الغريب أن يجعل بعض الناس هذه الرواية في باب المُجْمَل أو المتشابه أو الخفي!!، فهل هي مما لا يُفهم المراد به من لفظه ويفتقر في البيان إلى غيره؟!!، وهل هي مما يحتمِل معنيين أو معاني مختلفة؟!!، وهل هي من المشكل الذي يُحتاج في فهم المراد به إلى تفكر وتأمل؟!!، وهل تحتمِل هذه الألفاظ معنى خفيا خلاف ظاهرها؟!!.
لا شك في أن الجواب هو النفي بكل تأكيد.
ـ هذه الرواية وقع في جزء منها خلل، إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلب من أحد أن يسقيه وهو صائم قبل أن تغيب الشمس، والصواب هو ما رواه البخاري من أربعة طرق [1955، 1956، 1958، 5297] ومسلم من ثلاثة طرق أخرى على الأقل [2527، 2528] عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى بخلاف رواية سفيان بن عيينة، إذ هي كلها مصرحة بأن هذا كان بعدما غابت الشمس.
* ـ إضافة حديث رابع وخامس للأحاديث الثلاثة التي وقع خلل في بعض رواياتها فأعلـَّها، وهو حديث بيع جمل جابر للنبي صلى الله عليه وسلم وحديث مقدار عمره الشريف صلى الله عليه وسلم:
* ـ الرواية المشتملة على جزء معلول من إحدى روايات الحديث الرابع:
ـ هذا الحديث رواه البخاري [2309] من طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وغيره، يزيد بعضهم على بعض ولم يبلـِّغه كلـَّه رجل واحد منهم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على جمل ثَفَال إنما هو في آخر القوم، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "بعنيه". فقلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: "بل بعنيه، قد أخذته بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة". [كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجل رجلا أن يعطي شيئا]. الجمل الثَفال: هو البطيء الذي لا ينبعث إلا كَرْهًا.
هذه الرواية نُقلت هكذا، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر بن عبد الله رضي الله عنهما جمله العيي في طريق السفر وقال له "قد أخذتُه بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة"، وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى البعير من جابر وأذن له بركوبه إلى محطة الوصول، لأنه اشتراه منه في طريق السفر.
وهذا المعنى ظاهر لا خفاء فيه ولا اشتباه.
ـ لكن هذه الرواية وقع في جزء منها خلل، إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عرض على جابر ركوب الجمل حتى يصل إلى المدينة، وهنالك عدة روايات أصح منها تفيد أن جابرا رضي الله عنه هو الذي اشترط أن يركب الجمل حتى وصوله.
ـ فقد روى البخاري [2718] هذا الحديث من طريق زكريا بن أبي زائدة أنه قال سمعت عامرا يقول: حدثني جابر رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيى، فمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال جابر: قال: "بعنيه". فبعتُه، فاستثنيتُ حُمْلانه إلى أهلي.
وعلق البخاري رحمه الله هنا على الحديث بالإشارة إلى عدد من رواياته واختلاف ألفاظها مما فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عرض على جابر ركوب الجمل حتى يصل إلى المدينة أو أن جابرا هو الذي اشترط ركوبه، ثم قال: "الاشتراط أكثر وأصحّ عندي". [كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز].
قوله "أصحّ" لا تعني في سياق الإعلال أن هذا أصح وأن غيره صحيح كذلك، بل تعني أنه صحيح وأن مقابله لا يصح. [انظر مبحث الشرط الرابع من شروط الحديث الصحيح لذاته في كتاب متنزه الأنظار].
ـ ورواه البخاري [2967] من طريق المغيرة بن مقسم الضبي عن عامر الشعبي عن جابر أنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على ناضح لنا قد أعيى، فقال لي: "أفتبيعُنيه؟". فقلت: نعم. فبعتُه إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة. [كتاب الجهاد، باب استئذان الرجل الإمام].
ـ من المفيد أن أقول: كان في الرواية المعلولة عند البخاري من طريق ابن جريج عن عطاء أو غيره "بل بعنيه قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة"، وقد ظهر سبب وقوع الخلل فيها، إذ سقط جزء منها فتغير المعنى، وذلك فيما رواه مسلم [4110] من طريق أبي الزبير عن جابر أنه قال: فبعتُه منه على أن لي ظهره إلى المدينة، فقال: "ولك ظهره إلى المدينة".
ففي رواية مسلم هذه أن جابرا اشترط وقال "على أن لي ظهره إلى المدينة"، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "ولك ظهره إلى المدينة"، وحيث إن تلك الرواية التي كان فيها ذلك الجزء المعلول قد سقط منها قول جابر هذا فلذلك تغير المعنى.
ـ وهذا كله يؤيد ويؤكد صحة ما رجحه الإمام البخاري رحمه الله من وقوع الاشتراط في عقد البيع الذي تم به بيع جمل جابر وإعلال الجزء الذي فيه خلاف ذلك.
* ـ الرواية المشتملة على جزء معلول من إحدى روايات الحديث الخامس:
ـ هذا الحديث رواه البخاري [5900] عن أحد شيوخه عن مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالجَعْد القَطِط ولا بالسَبِط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة!. [كتاب اللباس، باب الجعد].
هذه الرواية نُقلت هكذا، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة!.
وهذا المعنى ظاهر لا خفاء فيه ولا اشتباه، يفهمه بكل سهولة ويسر كل من يفهم لغة العرب.
ـ في هذه الرواية جزء صحيح يتعلق بصفة طول النبي صلى الله عليه وسلم وصفة شعر رأسه الشريف، وفي كونه بعثه الله على رأس أربعين سنة وأنه أقام بالمدينة عشر سنين، وفيها جزء وقع فيه خلل، وهو أنه أقام بمكة بعد البعثة عشر سنين!، وأن الله تعالى توفاه على رأس ستين سنة!، وهذا خطأ واضح.
ـ والصواب هو في الروايات التالية:
روى البخاري [3903] من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة، وتُوفي وهو ابن ثلاث وستين.
وروى كذلك [3902] من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قال: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة، يُوحى إليه، ثم أمِر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين.
وروى كذلك [3536] من طريق عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين. [كتاب المناقب، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم].
ـ لم يكن الإمام البخاري رحمه الله غافلا عن أن الروايات الثلاث عن ابن عباس وعائشة سالمة من الخلل الذي وقع في رواية أنس، فاختار إحدى الروايات السالمة من هذا الخلل وهي المروية عن عائشة رضي الله عنها فرواها في باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب، وروى الرواية التي وقع فيها الخلل في مقدار عمره الشريف صلى الله عليه وسلم فرواها في باب الجعد من كتاب اللباس. فلله دره.
ـ ولمثل هذا نظائر أخرى يجدها طالبها في بعض دراساتي الأخرى.
* ـ خلاصة القول:
لم تكن تلك الروايات التي وقع فيها خلل ما في متن الحديث وإسنادُها ظاهرُه الصحة خافيةً على الإمام البخاري رحمه الله، فرواها في صحيحه وأشار إلى إعلال الجزء الذي وقع فيه الخلل من خلال عناوين الأبواب، إذ اختار للرواية السالمة أو إحدى الروايات السالمة عنوانا مناسبا لموضوع ذلك الجزء واختار للرواية التي وقع فيها الخلل عنوانا مناسبا لجزء آخر من أجزاء الرواية، فرحمه الله رحمة واسعة.
إذا كان هذا موجودا عند البخاري في عدد من الأحاديث فهل هذا يعني أنه معصوم عن الخطإ؟!، لم يقل ذلك أحد قط، فإذا وجدنا رواية عنده وقع فيها خلل ولم ينبه عليه فهذا ليس بمستحيل الوقوع، لكن لا بد من الدليل والبرهان، بعيدا عن أهواء النفوس المريضة التي تحكم بالهوى والتشهي، وقد قال ربنا عز وجل في كتابه الكريم {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.
ـ وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 26/ 8/ 1441، الموافق 19/ 4/ 2020، والحمد لله رب العالمين.



الخميس، 2 أبريل 2020

حديث "فـُقدت أمة من بني إسرائيل لا يُدرى ما فعلتْ، وإني لا أراها إلا الفأر"



هذا الحديث مداره فيما أعلم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورُوي في بعض الطرق عن ابن سيرين موقوفا على أبي هريرة من قوله، وفي بعضها عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا، ولا بد من البحث والدراسة ـ حسب منهج الأئمة المتقدمين رحمهم الله ـ لمعرفة هل صح الإسناد بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوْ لا؟، أي هل الراجح فيه أنه مرفوع أو موقوف؟.
* ـ الروايات الموقوفة:
ـ روى مسلم هذا الحديث عن محمد بن العلاء عن حمادِ بن أسامة [7607]، وعبدُ الرزاق في المصنف [8399]، وابن حنبل عن عبد الرزاق وعن محمد بن جعفر وعن يزيد بن هارون [7750، 9326، 10594]، أربعتهم عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: "الفأرة مسخ، وآية ذلك أنه يُوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه، ويُوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه". فقال له كعب: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!. فقال: أفأنزِلت علي التوراة؟!.
[هشام بن حسان بصري مات سنة 148، ثقة فيما روى عن ابن سيرين، وهو ثقة فيه لين فيما روى عن غيره، وخاصة في روايته عن الحسن وعطاء. محمد بن سيرين بصري ثقة ثقة مات سنة 110]. هذا الطريق صحيح الإسناد.
ـ ورواه ابن حنبل [7882] عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن أيوب السَخْتِياني عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: فقِد سبط من بني إسرائيل. وذكر الفأرة، فقال: ألا ترى أنك إذا أدنيت منها لبن الإبل لم تقربه، وإن قربتَ إليها لبن الغنم شربته؟!. فقال: أكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: أفأقرأ التوراة؟!.
[عبد الصمد بن عبد الوارث بصري ثقة فيه لين مات سنة 207. عبد الوارث بن سعيد بصري ثقة مات سنة 180. أيوب بن أبي تميمة السَخْتِياني بصري ثقة ثبت، مات سنة 131]. هذا الطريق جيد وإن كان عبد الصمد فيه لين، لأنه يعضده طريق هشام بن حسان.
* ـ الروايات المرفوعة:
ثم إن هذا الحديث رواه البخاري [3305] ومسلم [7606] وابن حنبل [7197] وأبو يعلى [6031] والطحاوي في مشكل الآثار [3273] وابن حبان [6258] من طرق عن خالد بن مهران الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه عند البخاري: "فـُقدتْ أمة من بني إسرائيل لا يُدرى ما فعلتْ، وإني لا أراها إلا الفأر، إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وُضع لها ألبان الشاء شربت". الشاء: الغنم.
[خالد بن مهران الحذاء بصري ثقة فيه لين تغير حفظه بآخره ومات سنة 141]. فهذا الطريق فيه لين.
ـ الرواية عند ابن حنبل ومسلم والبخاري فيها زيادة تشتمل على التصريح بأن أبا هريرة سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وهي: قال أبو هريرة: فحدثتُ كعبا، فقال: أنت سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقوله؟!. قلت: نعم. قال لي مرارا، فقلت: أفأقرأ التوراة؟!.
في ثبوت هذه الزيادة بهذا اللفظ نظر، ويبدو أن التبِعة فيها على مَن دون خالد الحذاء، وذلك أن رواية ابن حنبل هي عن عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء به، ورواية مسلم هي عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي به، ورواية البخاري هي عن موسى بن إسماعيل عن وُهيب بن خالد عن خالد الحذاء.
[عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي بصري اختلط قبل موته بثلاثِ أو أربعِ سنين. وُهيب بن خالد بصري ثقة تغير حفظه بآخره]. فلا يصح الاعتماد على الروايات التي فيها جواب أبي هريرة هنا بقوله نَعم.
وتلك الزيادة مروية عند أبي يعلى كذلك، وهي عن عبد الأعلى بن حماد عن وُهيب بن خالد عن خالد الحذاء به، لكن ليس فيها أن أبا هريرة أجاب كعبا بقوله نعم، وهي هذه: قال أبو هريرة: فحدثتُ بهذا الحديث كعبا، فقال: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!. فقال له مرارا، فقال أبو هريرة: فنزلتْ علي التوراة؟!. فهي بمثل رواية هشام بن حسان وأيوب السختياني.
ويبدو أن عبد الأعلى بن حماد سمع هذا الحديث مع هذه الزيادة من وُهيب قبل أن يتغير حفظه.
ـ وروى ابن حنبل هذا الحديث [10452] عن محمد بن عبد الله عن الأشعث عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمة من الأمم فُقدت، فالله أعلم: الفأر هي أم لا؟، ألا ترى أنها إذا وضِع لها ألبان الإبل لم تطعَمه؟".
[محمد بن عبد الله الأنصاري بصري ثقة ثم تغير حفظه لما كبر، مات سنة 215. أشعث بن عبد الملك الحُمْراني البصري ثقة مات سنة 142]. فهذا الطريق فيه لين.
ـ ورواه الطبراني في الصغير [886] والأوسط [6662] عن محمد بن إبراهيم بن سارية العكاوي المقرئ عن موسى بن أيوب النصيبي عن بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش عن ابن عون عن ابن سيرين به مرفوعا.
[محمد بن إبراهيم بن سارية العكاوي المقرئ لم أجد له ترجمة، مجهول الحال، ولا ينفعه كونه مقرئا، فكم مِن أمثاله مَن يروي الأحاديث وهو لا يدري ما يحدث به. موسى بن أيوب النصيبي الأنطاكي صدوق. بقية بن الوليد صدوق فيه لين، وقد يدلس الإسناد عن الضعفاء وقد يسويه. إسماعيل بن عياش مخلط في روايته عن غير الحمصيين، وشيخه في هذه الرواية بصري. عبد الله بن عون بصري ثقة مات سنة 151]. فهذا الطريق شديد الضعف.
ـ ورواه أبو يعلى [6061] عن سُويد بن سعيد عن زياد بن الربيع اليَحْمَدي عن هشام بن حسان عن ابن سيرين به مرفوعا.
[سويد بن سعيد الهروي الحَدَثاني: قال ابن حجر: صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه]. فهذا الطريق ضعيف، ثم إنه منكر، لمخالفة راويه لأربعة من الرواة رووه عن هشام بن حسان به موقوفا.
أي إن الراوي هنا جعل الرواية عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواها حماد بن أسامة وعبد الرزاق الصنعاني ومحمد بن جعفر ويزيد بن هارون عن أبي هريرة من قوله، كما تقدم في الروايات الموقوفة. فهذا الطريق شديد الضعف.
ـ وهنالك حديث بعيد عن الحديث الذي هو محل الدراسة وإن كان أصله منه، ولا يفيد في مسألة الترجيح بين الرفع والوقف لاضطراب راويه فيه، ويحسُن إيراده للمعرفة:
رواه البزار [9986] عن محمد بن بشار عن إبراهيم بن الفضل بن أبي سُوَيد عن حماد بن سلمة عن أيوب السَخْتِياني وحبيب بن الشهيد وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الفأرة يهودية، ألا ترون أنها لا تشرب ألبان الإبل". ورواه أبو يعلى [6060] عن عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة عن حبيب وهشام وأيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، أحسبه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الفأرة يهودية، وإنها لا تشرب ألبان الإبل". وذكره الدارَقطني في العلل [1836] وقال: رواه الحسن بن موسى عن حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد وهشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفا.
من هذه الروايات الثلاث يظهر أن حماد بن سلمة لم يضبط متن الحديث ولا إسناده، حيث رواه بلفظ بعيد عن اللفظ الذي رواه به جماعة من الرواة، ورواه مرة مرفوعا ومرة على الشك في رفعه ومرة موقوفا، والرواة عنه ثقات، فالظاهر أن عدم الضبط منه.
ـ هل صرح أبو هريرة بسماعه لهذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم؟:
تقدم ذكر هذا التصريح فيما رواه البخاري ومسلم وابن حنبل من طريق خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وهذا لفظ الرواية الذي جاء عند البخاري عقب الحديث: قال أبو هريرة: فحدثتُ كعبا، فقال: أنت سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقوله؟!. قلت: نعم. قال لي مرارا، فقلت: أفأقرأ التوراة؟!. [وفي الرواية عند ابن حنبل "فقال لي ذلك مرارا"، وهذا اللفظ أوضح من "قال لي مرارا"، ومن المعلوم شدة حرصهم على الاختصار في الكتابة]. وتقدم ذكر ما يتعلق بإسناد هذه الرواية مما يدل على عدم قوة الإسناد.
قول أبي هريرة "أفأنزِلت علي التوراة؟!" ليس نصا في أنه سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان السؤال وقع من كعب مرة واحدة وأجابه أبو هريرة بهذا الجواب فهو في دائرة الاحتمال، لكن مما يجعل هذا الاحتمال بعيدا أن كعبا يكرر السؤال عليه مرارا فيجيبه بعد تكرار السؤال بهذا الجواب، وهذا يُبْعِدُ حمْله على معنى أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم لو تأملنا هذا النص مليا لوجدناه يحمل إشارتين واضحتين على عدم صحته:
الأولى في قوله "قلت: نعم. فقال لي مرارا، فقلت"، إذ لو كان أبو هريرة قد أجاب بقوله نعم لما كان كعب بحاجة إلى أن يعيد السؤال مرارا.
الثانية أنه لو كان أبو هريرة قد أجاب بقوله نعم لما كان لقوله "أفأقرأ التوراة؟!" معنى، وحيث إنه من الثابت عنه أنه قال "أفأقرأ التوراة؟!" فهذا يعني أنه لم يقع منه الجواب بنعم.
ثم إنه لو كان هذا الحديث مما سمعه أبو هريرة من النبي صلى الله عليه وسلم لصرح بذلك عندما سئل في أول مرة، بل لو كان قد سمعه منه عليه الصلاة والسلام أو ممن رواه له عنه لعزاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مُفتتح الحديث كما هو المعهود فيما كان يرويه عنه، وجوابه عن السؤال بقوله "أفأنزِلت علي التوراة؟!" يفهمنا أنه لا يريد أن يصرح بمصدر الخبر، وليس فيه أكثر من أنه ليس منقولا عن التوراة، والظاهر أنه سمعه من رجل ما، ويحتمِل أن يكون المسموع منه صحابيا وأن يكون تابعيا، والقضية فيها احتمالات، وليس بمثل هذا تثبت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* ـ خلاصة الكلام في هذا الحديث من حيث الرفعُ والوقفُ:
هذا الحديث رواه هشام بن حسان وأيوب السَختِياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا عليه من قوله، وطريق هشام صحيح وطريق أيوب جيد، فهو ثابت عن أبي هريرة من قوله، ورواه خالد الحذاء وأشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريق خالد الحذاء وطريق الأشعث كل واحد منهما فيه لين، والرواية المرفوعة ـ حسب منهج الأئمة النقاد ـ معلولة بعلة الوقف على الصحابي.
ويزيد الأمرَ تأكيدا قولُ أبي حاتم الرازي عن هشام بن حسان: كان صدوقا، وكان يتثبت في رفع الأحاديث عن محمد بن سيرين. وقولُ ابن حجر عنه: بصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين. وقولُ علي بن المديني في أيوب السَختِياني: أيوب أثبتُ في ابن سيرين من خالد الحذاء. وقولُ أبي حاتم عنه: هو أحب إلي في كل شيء من خالد الحذاء.
أي إن هذا الحديث لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثابت من قول أبي هريرة، فلعله سمعه من بعض أهل الكتاب. والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدْلِبي، والحمد لله رب العالمين.
تتميم في إجابات عن بعض الأسئلة والتساؤلات:
ـ قلتُ في خالد بن مهران الحذاء "بصري ثقة فيه لين تغير حفظه بآخره"، ويميل بعض الباحثين الأفاضل إلى توثيقه دون تليين، وإلى أن كلام من تكلم فيه من أئمة الجرح والتعديل هو في رواية الشاميين عنه بأخرة، وليس في رواية البصريين عنه!.
أقول:
خالد الحذاء وثقه جماعة من النقاد وأشار بعضهم إلى تليينه، فقد قال فيه أبو حاتم الرازي "يُكتب حديثه ولا يُحتج به"، وروى العُقيلي في كتاب الضعفاء [402] عن يحيى بن آدم أنه قال: قلت لحماد بن زيد: ما لخالد الحذاء في حديثه؟!. فقال: قدِمَ علينا قدمة من الشام فكأنا أنكرنا حفظه. وروى العُقيلي كذلك عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل عن أبيه أن إسماعيل ابن عُلية قيل له في حديث فقال: كان خالد يرويه فلم نكن نلتفت إليه. ضعَّف ابنُ علية أمْره. يعني خالد الحذاء. كذا في كتاب الضعفاء للعقيلي.
كلمة "ضعَّف ابنُ علية أمره" لعلها من قول الإمام أحمد أو من قول ولده عبد الله، والله أعلم، وحماد بن زيد وإسماعيل ابن عُلية كلاهما من الأئمة الحفاظ من أهل البصرة.
وقال ابن حجر عن خالد الحذاء في تقريب التهذيب: "هو ثقة يرسل، أشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان".
فمثل هذا الراوي لا يُوثـَّق بإطلاق، ولكنه ثقة فيه لين.
ولم أجد من قيَّد التليين المذكور في خالد الحذاء بأنه في رواية الشاميين عنه، بل الظاهر أنه في رواية البصريين عنه قبل غيرهم، لأن اختلال حفظه كان بعد قدومه إلى البصرة من الشام، وقد قال عنه الإمام الحافظ حماد بن زيد وهو بصري: قدمَ علينا قدمة من الشام فكأنا أنكرنا حفظه.
وإذا كان هذا كذلك فلا ينفع هذا الحديثَ أنه رُوي عن خالد من طريق بعض البصريين عنه.
ـ هذا الحديث سئل عنه الإمام الدارقطني في العلل [1836] فتكلم على الخلاف في رفعه ووقفه بكلام ليس على المعهود في عادته، وكأنه لم يستحضر وقت السؤال ما ينبغي إيرادُه، فلم يرجح فيه شيئا.
ـ فإن قيل: لو ترجح عند الدارقطني القولُ بالوقف لأورده في الجزأين اللذين خصصهما للكلام على أحاديث الصحيحين.
قلت: الجزآن اللذان خصصهما الدارقطني رحمه الله للكلام على أحاديث الصحيحين أحدهما في الإلزام والآخر في الإعلال، فأما الأول فلا يعنينا هنا، وأما الآخر ففيه تتبع لبعض ما رأى فيه إعلالا، وقد ظن بعض الناس أنه سماه بالتتبع، وبنَوا على ذلك أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ولم يذكره في الجزء المسمى بالتتبع فلا إعلال فيه عنده!، وهذا غير صحيح البتة، لأن تسمية ذلك الجزء بالتتبع ليست من كلام الدارقطني ولا من فحوى كلامه، وقد قال في مستهل ذلك الجزء: "ابتداءُ ذكْرِ أحاديثَ معلولةٍ اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم أو أحدهما بينت عللها والصواب منها".
ـ الغرابة في متن هذا الحديث:
قال الله تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين}، وقال تعالى {فلما عَتَوْا عما نُهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين}، وقال تعالى {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله؟:، مَن لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل}.
فقد ذكر ربنا عز وجل الذين مسخهم من بني إسرائيل وأنه إنما مسخهم قردة وخنازير، وهدَّد نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أقواما يبيتون على معصية الله عز وجل بأن الله تعالى يمسخهم قردة وخنازير، وذكر بعض الصحابة ومَن بعدهم القومَ الذين مسخهم الله وأنه مسخهم قردة وخنازير، ولم أجد في أي من النصوص ذكْر الفأر مع القردة والخنازير.
مَن أمعن النظر في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد أنه في كل قول من أقواله يوجه رسالة لأصحابه أو للأمة كافة من بعده، فإنه يطلب منهم فعل شيء أو تركه أو يرغبهم فيه أو يحذرهم منه أو يقترح شيئا أو يخبرهم عن شيء، وهكذا، فالحديث لا بد له من مدلول يدل عليه.
فما الذي يريد أن يقول لنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن صح عنه؟، يخبرنا هذا النص المروي عن أمة من بني إسرائيل "فـُقدتْ"، وإذا تساءلنا ما شأنها؟، فنجد أنه يقول حسب الرواية "لا يُدرى ما فعلتْ"، ثم يخبر عن ظن يظنه "وإني لا أراها إلا الفأر". وهذا غريب.
قال بدر الدين الدماميني المتوفى سنة 827 في كتابه مصابيح الجامع والبرماوي في اللامع الصَبيح والقسطلاني في إرشاد الساري: "لا أراها": بضم الهمزة. أي: لا أظنها إلا الفأر.
تتمة النص المروي "إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وُضع لها ألبان الشاء شربت"، ومُفاده ـ كما يقول الشراح ـ أن بني إسرائيل حُرمت عليه لحوم الإبل وألبانها، والفأر مِسخ من بني إسرائيل، ولذلك تشرب الفأرة لبن الشاء ولا تشرب لبن الإبل، وهذا يعني أن الفأر الذي كان متناسلا حتى العهد النبوي هو من نسل الذين مُسخوا من بني إسرائيل فأرا.
فإن قيل: روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن أم حبيبة رضي الله عنها زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: قال رجل: يا رسول الله، القردة والخنازير هي مما مُسخ؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لم يجعل لمِسْخ نسلا ولا عقِبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك".
قالوا: لقد ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الفأر من نسل أولئك الممسوخين، وهذا في حديث أبي هريرة، ثم أعلمه الله تعالى أن الذين مُسخوا ليس لهم نسل، وهذا في حديث أم حبيبة.
وهنا يأتي السؤال:
إذا كان هذا الفأر ليس من نسل مَن مُسخوا من بني إسرائيل حسبما يقوله شراح الحديث استدلالا بحديث أم حبيبة فما بال الفأرة "إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشرب وإذا وُضع لها ألبان الشاء شربت"؟!!.
وإذا افترضنا أن حديث أم حبيبة ضعيف الإسناد وأن هذا الفأر هو من نسل مَن مُسخوا من عصاة بني إسرائيل فما باله يحافظ على ترك المحرمات التي لم يُمسخ أسلافه إلا لاجترائهم على اقتراف ما حرم الله عليهم؟!، ألأنهم تابوا من العصيان بعدما مُسخوا فهم الآن يلتزمون بعدم شرب ألبان الإبل؟!!.
بل هل الفأرة أصلا إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشرب وإذا وُضع لها ألبان الشاء شربت؟!.
لذلك أقول: مثل هذه التساؤلات تجعل متن هذا الحديث شاذا غريبا.
ـ أيها الإخوة الكرام:
من كان منكم مقلدا فالواجب عليه أن يقلد من يغلب على ظنه أنه أعلم، وكل واحد من المقلدين له شيخ يثق بعلمه فالواجب عليه أن يقلده.
ليس عليك من حرج أيها الأخ الكريم إذا كنت مقلدا أن تُعْرِضَ عن الكلام الذي يخالف ما أنت عليه وتتمسك بقول من تثق بقوله من أهل العلم، ولكن لا يجوز لك الكلام في مسائل العلم ما دمت مقلدا، لا إثباتا ولا نفيا ولا ترجيحا بدون دليل، لأنك ستُسأل عن ذلك يوم القيامة وأنت لست من أهل الدليل والاستدلال.
أما إذا كنتَ من أهل الاجتهاد في المسألة التي هي محل البحث فعليك أن تدلي برأيك مؤيدا بالحجة التي تنقض استدلالات الطرف الآخر، والعلم رحم بين أهله، فإن عجَزت عن أن تنقضها بالحجج العلمية فعليك القبول والإذعان للحق، أو أن تلزَم السكوت، ولا يجوز التمادي في الرد والإنكار بدون دليل.
أنصح من يريد قراءة مثل هذا البحث للمحاورة فيه أن يبدأ بقراءة مجموعة من الكتب المتخصصة في علوم الحديث الشريف، وأقترح على سبيل المثال الكتب والأبحاث التالية:
معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح.
النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر.
نزهة النظر لابن حجر.
كتاب العلل الكبير للترمذي.
علل الحديث لابن أبي حاتم.
كتاب العلل للدارقطني. وهو كتاب كبير فالرجاء قراءة بعض الأجزاء منه.
شرح العلل لابن رجب.
متنزه الأنظار في علوم الحديث.
منهج الإمامين البخاري ومسلم في إعلال المرويات الحديثية.
أحاديث الصحيحين هل ضعَّف بعض العلماء بعضها؟.
رتبة الاجتهاد ورتبة التقليد.
اللهم إنا نعوذ بك من الهوى ومن مضلات الفتن، اللهم اجعلنا وإخواننا وأحبابنا ممن بَرَّ واتقى وصدَّق بالحسنى ونهى النفس عن الهوى.
كتبَ أصلَ هذا البحث صلاحُ الدين بن أحمد الإدلبي قبل أكثر من سنتين، وتمَّ مع التنقيح والزيادات في 7/ 8/ 1441، الموافق 31/ 3/ 2020، والحمد لله رب العالمين.