الاثنين، 25 يناير 2016

حديث "المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث "المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"

هذا الحديث رواه مسلم وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي في الكبرى وأبو عوانة في المستخرج والطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير والأوسط وأبو نعيم في المستخرج والبيهقي، من ثلاثة طرق عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه".
ورواه مسلم وابن حنبل وأبو عوانة وأبو نعيم كلاهما في المستخرج والبيهقي في شعب الإيمان، من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الرحمن بن علقمة عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا به نحوه.
ورواه النسائي في الكبرى عن قتيبة بن سعيد عن حرب عن أبي الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
[أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس مكي صدوق ثقة فيه لين ويدلس الإسناد، مات سنة 126]. لم يصرح أبو الزبير في كل تلك الطرق بما يدل على سماعه هذا الحديثَ من جابر، فالسند منقطع.
قال الترمذي بعد تخريجه الحديث: حديث جابر حديث حسن صحيح غريب. وقال النسائي في الكبرى بعد تخريجه لرواية هشام ثم لرواية حرب: هذا كأنه أولى بالصواب من الذي قبله. فكلام الترمذي يشير إلى صحة ظاهر الإسناد وغرابة المتن، وكلام النسائي يشير إلى إعلال الحديث عنده بالإرسال، لأنه أخـَّر رواية حرب بن أبي العالية المروية عنده بالإرسال وعلق عليها بأنها كأنها أولى بالصواب من الرواية الموصولة.
وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء هذا الحديث مع أحاديث أخر وقال: "فهذه غرائب، وهي في صحيح مسلم".

إشكال وجواب:
قد يقال: لقد ورد التصريح بالسماع في أحد طرق الحديث في مسند ابن حنبل.
أقول: روى ابن حنبل عن موسى بن داود عن ابن لهيعة عن أبي الزبير أنه قال: أخبرني جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في نفسه فليعمِدْ إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد من نفسه".
وهذا غير مقبول هنا لسببين: أحدهما اختلاف لفظ الرواية، إذ قد يكون أبو الزبير سمع من جابر هذا الجزء من الحديث دون غيره، والثاني أن ابن لهيعة لا يُعتمد عليه وخاصة في رواية غير العبادلة عنه، لقبوله التلقين ولتدليسه. ثم إن ثلاثة من الرواة ـ عند ابن حنبل والخرائطي في اعتلال القلوب والطبراني في الأوسط ـ رووا الحديث عن ابن لهيعة فلم يذكروا ما يدل على السماع.
* الحديث منقطع الإسناد، فهو ضعيف. والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 14/ 4/ 1437، والحمد لله رب العالمين.


الأحد، 24 يناير 2016

حديث "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب"

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب"

رُوي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك ومرسل أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب وسالم بن أبي الجعد:
* فأما حديث جابر فرواه مسلم وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وأبو عوانة في المستخرج والطحاوي في مشكل الآثار وابن حبان والطبراني في الكبير وأبو نعيم في المستخرج والبيهقي، من ثلاثة طرق عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه".
ورواه مسلم وابن حنبل وأبو عوانة في المستخرج وأبو نعيم في المستخرج وفي معرفة الصحابة والبيهقي في شعب الإيمان، من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الرحمن بن علقمة عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا به نحوه.
ورواه النسائي في الكبرى عن قتيبة بن سعيد عن حرب عن أبي الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
[أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس مكي صدوق ثقة فيه لين ويدلس الإسناد، مات سنة 126]. لم يصرح أبو الزبير في كل تلك الطرق بما يدل على سماعه هذا الحديثَ من جابر، فالسند منقطع، فهو ضعيف.
قال الترمذي بعد تخريجه الحديث: حديث جابر حديث حسن صحيح غريب. وقال النسائي في الكبرى بعد تخريجه لرواية هشام ثم لرواية حرب: هذا كأنه أولى بالصواب من الذي قبله. فكلام الترمذي يشير إلى صحة ظاهر الإسناد وغرابة المتن، وكلام النسائي يشير إلى إعلال الحديث عنده بالإرسال، لأنه أخـَّر رواية حرب بن أبي العالية المروية عنده بالإرسال وعلق عليها بأنها كأنها أولى بالصواب من الرواية الموصولة.
وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء هذا الحديث مع أحاديث أخر وقال: "فهذه غرائب، وهي في صحيح مسلم".
* إشكال وجواب:
قد يقال: لقد ورد التصريح بالسماع في أحد طرق الحديث في مسند ابن حنبل.
أقول: روى ابن حنبل عن موسى بن داود عن ابن لهيعة عن أبي الزبير أنه قال: أخبرني جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في نفسه فليعمِدْ إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد من نفسه".
وهذا غير مقبول هنا لسببين: أحدهما اختلاف لفظ الرواية، إذ قد يكون أبو الزبير سمع من جابر هذا الجزء من الحديث دون غيره، والثاني أن ابن لهيعة لا يُعتمد عليه وخاصة في رواية غير العبادلة عنه، لقبوله التلقين ولتدليسه. ثم إن ثلاثة من الرواة ـ عند ابن حنبل والخرائطي في اعتلال القلوب والطبراني في الأوسط ـ رووا الحديث عن ابن لهيعة فلم يذكروا ما يدل على السماع.
* تتميم:
الجزء الأخير من الحديث "فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه" يحتمِل التحسين:
فقد رواه مسلم وأبو عوانة وأبو نعيم من طريق معقل بن عبيد الله، وابنُ حنبل والخرائطي في اعتلال القلوب من طريق موسى بن عقبة، وابنُ حنبل والخرائطي في اعتلال القلوب والطبراني في الأوسط برقم 9073 من أربعة طرق ـ وإن لم يكن فيها أحد العبادلة ـ عن ابن لهيعة، وابنُ حبان والدولابي في الكنى من طريق ابن جريج، وابنُ أبي شيبة في مسنده ـ كما في إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري ـ من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، خمستهم معقل وموسى وابن لهيعة وابن جريج وابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر به دون ما جاء قبله في رواية هشام الدستوائي وحرب بن أبي العالية عن أبي الزبير.
وإذا كان ذلك كذلك فيكون أبو الزبير قد سمع الجزأين الأولين من هذا الحديث من رجل عن جابر وسمع الجزء الأخير منه من جابر، ويكون قد جمعَ الأجزاء الثلاثة وحدَّث بها هشامًا وحربًا وحدَّث بالجزء الأخير معقلا وموسى بنَ عقبة وابن لهيعة وابن جريج وابنَ أبي ليلى، والله أعلم.
* وأما حديث ابن مسعود فرواه الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان عن قبيصة عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حلّام عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به نحوه. وعنده "فأتى سودةَ وهي تصنع طيبا". [قبيصة بن عقبة السُوائي كوفي صدوق ثقة إلا في روايته عن الثوري فإنه لم يكن ضابطا لها، مات سنة 215. عبد الله بن حلام ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الميزان: لا يكاد يعرف].
ورواه ابن أبي شيبة عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حلام عن ابن مسعود موقوفا. وذكر البخاري في التاريخ الكبير أن إسرائيل رواه عن جده أبي إسحاق موقوفا كذلك.
الطريق المرفوع ضعيف الإسناد ومعلول بعلة الوقف على الصحابي، وإسناده عن ابن مسعود حسن لا بأس به.
* وأما حديث أنس فرواه الطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعا به نحوه. [سعيد بن بشير الأزدي البصري الشامي ضعيف مات سنة 169]. فالسند ضعيف.
* وأما مرسل أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب فرواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن أبي حَصين عن عبد الله بن حبيب مرفوعا به نحوه. وعنده "فرجع إلى أم سلمة وعندها نسوة يَدُفْنَ طيبا". [أبو حَصين عثمان بن عاصم كوفي ثقة ربما دلس الإسناد مات سنة 128. عبد الله بن حبيب كوفي تابعي ثقة مات سنة 72 تقريبا]. داف الطيبَ يدُوفه دَوفا: خلطه.
ورواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حبيب به مرفوعا. والظاهر أن عبد الرحيم بن سليمان وهم في تسمية شيخ سفيان هنا، فجعله عن أبي إسحاق بدلا من أن يكون عن أبي حَصين، وعبد الرحيم بن سليمان ثقة فيه لين ووكيع ثقة متقن.
وهو على كلا الحالين مرسل، والمرسل ضعيف.
* وأما مرسل سالم بن أبي الجعد فرواه ابن أبي شيبة عن عبيدة بن حميد عن منصور بن المعتمر عن سالم بن أبي الجعد مرفوعا به نحوه. وعنده "رأى امرأة فأتى أمَّ سلمة". سالم بن أبي الجعد تابعي ثقة.
وهذا حديث مرسل، والمرسل ضعيف.
* درجة الحديث:
أسانيده ضعيفة، ولا يرتقي باجتماع هذه الطرق لأنه غريب، كما نص على ذلك بعض الأئمة، وأقل ما يقال عنه أنه يُتوقف فيه، والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 13/ 4/ 1437، والحمد لله رب العالمين.


الخميس، 21 يناير 2016

حديث "قتلوه قتلهم الله"

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وله الحمد في الأولى والآخرة.

حديث "قتلوه قتلهم الله"

ـ هذا الحديث رواه ابن حنبل والدارمي وأبو داود والطبراني في الكبير والبيهقي من أربعة طرق عن الأوزاعي أنه قال: بلغني أن عطاء بن أبي رباح قال إنه سمع ابن عباس يخبر أن رجلا أصابه جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصابه احتلام، فأمِر بالاغتسال، فمات، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم  فقال: "قتلوه!، قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟!".
ورواه عبد الرزاق عن الأوزاعي عن رجل عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس به نحوه، وجاء عنده "قتلتموه؟!، قتلكم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟!". ورواه الطبراني في الكبير من طريق عبد الرزاق به.
في هذا الإسناد انقطاع بين الأوزاعي وبين عطاء، أو بينهما راو مبهم، والأمر سيان، فهذا الإسناد ضعيف.
ـ ورواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم وأبو نعيم في الحلية من طريق هِقْل بن زياد وأيوب بن سويد ومحمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس به. والرواية هكذا لا شك في أنها من باب الوهَم، وأيوب بن سويد ومحمد بن كثير المصيصي ضعيفان جدا، فلا يستغرب منهما أن يوْهَما بمثل هذا، ولكن هِقْل بن زياد ثقة، والخطأ في روايته هو منه أو ممن روى عنه.
ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح به. [هشام بن عمار دمشقي صدوق ثقة كبر فتلقن ومات سنة 245. عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين دمشقي بيروتي صدوق ثقة فيه لين، مات بعد سنة 180. الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو ثقة إمام مات سنة 157].
في هذه الطرق الأربعة عن الأوزاعي وهَم ظاهر، حيث إنه يصرح في الطرق الثابتة عنه بأنه لم يسمع هذا الحديث من شيخه عطاء بن أبي رباح وأنه تلقاه بواسطة راو طوى اسمَه ويأتي هؤلاء الأربعة فيسوون الإسناد ويجعلونه عن الأوزاعي عن عطاء!.
ـ ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله عن محمد بن معاوية القرشي عن إسحاق بن أبي حسان الأنماطي عن هشام بن عمار عن عبد الحميد بن أبي العشرين عن الأوزاعي أنه قال حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس.
[محمد بن عبد الله بن حكم أبو عبد الله، سمع أبا بكر محمد بن معاوية القرشي المعروف بابن الأحمر، وثقه ابن حزم، كما في جذوة المقتبس. محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، المعروف بابن الأحمر، قرطبي ثقة، طال عمره ومات سنة 358، كما في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي. إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي بغدادي ثقة مات سنة 302].
وهذا الطريق قد أوغلَ في الوهَم، إذ تقدمت رواية هشام بن عمار عن عبد الحميد بن أبي العشرين عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح بدون ذكر السماع بين الأوزاعي وبين شيخه عطاء، وتقدم بيان الخطأ الذي فيها، فجاءت الرواية هنا من الطريق عينه لتضيف ذكر السماع بينهما، فلا شك أنها رواية منكرة الإسناد.
ومما يؤكد وقوع الخطأ في رواية هشام بن عمار عن عبد الحميد بن أبي العشرين أن ابن أبي حاتم سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: "روى هذا الحديثَ ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس، وأفسدَ الحديث". فهذا الكلام يدخل بين الأوزاعي وبين عطاء رجلا ويسميه إسماعيل بن مسلم. [إسماعيل بن مسلم هو أبو إسحاق المكي بصري الأصل ضعيف منكر الحديث].
ـ ورواه الحاكم عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن أبي عثمان سعيد بن عثمان التنوخي عن بشر بن بكر عن الأوزاعي أنه قال حدثنا عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن عباس. [محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل أبو العباس الأصم، له رحلة واسعة، نيسابوري ثقة، ولد سنة 247 ومات سنة 346. سعيد بن عثمان التنوخي حمصي لين، مات قبل سنة 270، قال ابن أبي حاتم محله الصدق، وضعفه الدارقطني. بشر بن بكر التنيسي ثقة ولد سنة 124 ومات سنة 205].
فهذا الطريق ضعيف، ومنكر نكارة شديدة، لمخالفته لروايات الثقات الذين بينوا الانقطاع في السند بين الأوزاعي وعطاء.
ـ ورواه أبو داود والدارقطني والبيهقي عن موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي عن محمد بن سلمة عن الزبير بن خُريق عن عطاء عن جابر به نحوه. [موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي صدوق. محمد بن سلمة الحراني ثقة مات سنة 192. الزبير بن خُريق الجزري لم أجد في الرواة عنه سوى راويين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه الدارقطني ليس بالقوي]. فهذا الطريق لين.
ـ ورواه ابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن اثنين عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عمه عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس به. [عمر بن حفص بن غياث كوفي ثقة فيه لين مات سنة 222. أبوه حفص بن غياث ثقة يدلس الإسناد ساء حفظه بعدما استُقضي ومات سنة 195. الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح ذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه الدارقطني، وكذا البيهقي في السنن 6/ 10]. فهذا الطريق ضعيف.
وجاء عقب هذه الرواية في صحيح ابن خزيمة وابن حبان والمنتقى لابن الجارود قول أحد رواة السند: [شك في "ابن عباس"، ثم أثبته بعد]. ولم تبين المصادر مَن القائل ومَن الذي وقع له الشك في ذكر ابن عباس، والذي يظهر لي أن القائل هو حفص بن غياث، وأن الذي وقع له الشك هو الوليد بن عبيد الله، وهذا يعني أن الوليد سمع الحديث من عطاء ثم قع له تردد هل روى عطاءٌ له الحديث مرسلا أو أسنده عن ابن عباس؟، وأنه استقر وهْمه بعد التردد على أن في السند ابن عباس.
ـ ورواه عبد الرزاق عن ابن المبارك عن جرير بن حازم عن النعمان بن راشد عن زيد بن أبي أنيسة أنه قال: كان برجُلٍ جُدَرِي فأصابته جنابة فأمروه فاغتسل. الحديثَ. [جرير بن حازم بصري ثقة فيه لين مات سنة 170. النعمان بن راشد الجزري الرقي ضعيف. زيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي ثقة فيه لين مات سنة 125]. فهذا الإسناد ضعيف.
ـ ورواه ابن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن أبي فروة عن عطاء به مرسلا. [عبد السلام بن حرب كوفي معمر ثقة فيه لين مات سنة 187. إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة مدني متروك الحديث واتهم بالكذب، ومات سنة 144]. فهذا الإسناد تالف.
ـ ورواه عبد الرزاق عن ابن سمعان عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن رجل عن ابن عباس. [عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان مدني متروك الحديث متهم بالكذب. عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري مدني ثقة مات سنة 134]. فهذا الإسناد تالف.
ـ وروى ابن عدي والبيهقي في الخلافيات من طريق عمرو بن شمر عن عمرو بن قيس عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أجنب رجلٌ مريضٌ في يومٍ باردٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال "مالهم؟! قتلوه؟، قتلهم الله، إنما كان يجزئ من ذلك التيمم". عمرو بن شمر متروك الحديث واتهم بالكذب. فهذا الإسناد تالف.
ـ خلاصة القول: أن طريق الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح منقطع لا يصح، وأن طريق الزبير بن خُريق الجزري عن عطاء لين، وأن طريق الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عطاء ضعيف، وأن ما سوى ذلك شديد الضعف، والظاهر أن عطاء بن أبي رباح روى هذا الحديث مرسلا ولم يسنده، فأخذه بعض الضعفاء فجعلوه عن عطاء عن ابن عباس.
فما كان له شاهد فيرتقي لمرتبة الحسن، وهو جواز التيمم لمن وجب عليه الغسل وبه جراحة يُخشى عليه بسببها من استعمال الماء، والشاهد هو موافقة ظاهر الآية الكريمة من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسِكم وأرجلَكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}.
وأما ما ليس له شاهد وهو قوله "قتلوه قتلهم الله" فيبقى ضعيفا.
والقرائن تدل على أن مثل هذا القول لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله لمن أخطأ في اجتهاده، فقد روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقة، فصبحْنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال لا إله إلا الله، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!. قلت: كان متعوذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
وروى ابن حنبل من طريق رباح بن الربيع عن أخيه حنظلة الكاتب أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما كانت هذه لتقاتل". وقال لأحدهم: "الحقْ خالدا فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا".
والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 19/ 3/ 1437، الموافق 30/ 12/ 2015، والحمد لله رب العالمين.

الثلاثاء، 12 يناير 2016

حديث "إن الله وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا وزادني ثلاث حَثَيَات"

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وله الحمد في الأولى والآخرة.

حديث "إن الله وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب، مع كل ألف سبعون ألفا وزادني ثلاث حَثَيَات"
الحَثْيَة: مقدار ما يُغترف بكلتا اليدين.

هذا الحديث له رواية تقتصر على الجزء الأول منه، وهي الصحيحة، وله رواية بالتمام الوارد هنا، وهي محل البحث.
* الرواية التي فيها الجزء الأول:
ـ روى البخاري ومسلم وابن حنبل والترمذي والنسائي في الكبرى عن ابن عباس أنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "عُرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل هذا موسى وقومه، ثم قيل لي انظر، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل: "هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون".
ـ وروى عبد الرزاق والطيالسي وابن حنبل من طريق معْمر وهشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين عن ابن مسعود نحوه. [معْمر بن راشد بصري سكن اليمن ثقة فيه لين مات سنة 154. هشام الدستوائي بصري ثقة ثقة مات سنة 153. قتادة بن دعامة بصري ثقة يدلس الإسناد ويرسل مات سنة 117. الحسن البصري ثقة يدلس الإسناد مات سنة 110. عمران بن الحصين صحابي سكن البصرة مات سنة 53. عبد الله بن مسعود صحابي سكن الكوفة مات سنة 32].
وروى الطيالسي وابن أبي شيبة في مسنده وابن حنبل والبخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى وابن حبان من طريق حماد بن سلمة وهمَّام بن يحيى عن عاصم ابن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود نحوه. [حماد بن سلمة بصري ثقة فيه لين مات سنة 167. همَّام بن يحيى بصري صدوق ثقة في حفظه لين ومات سنة 164. عاصم ابن بهدلة كوفي صدوق ثقة فيه لين اختلط في آخر عمره ومات سنة 128. زر بن حُبيش كوفي ثقة مات سنة 82]. السند عن ابن مسعود صحيح باجتماع الطريقين.
ـ وروى ابن أبي شيبة وابن المبارك في مسنده والطيالسي وابن حنبل وابن ماجه وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني وابن حبان من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن رفاعة بن عرابة الجهني. هذه الرواية تتقوى بما قبلها.

* الرواية التي فيها الحديث بتمامه:
ـ هذا الحديث رواه ابن حنبل وابن أبي عاصم في السنة وفي الآحاد والمثاني وابن حبان والطبراني في الكبير ومسند الشاميين، من طرق عن صفوان بن عمرو عن سُليم بن عامر الخبائري وأبي اليمان الهوزني عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب". فقال يزيد بن الأخنس السلمي: والله ما أولئك في أمتك إلا كالذباب الأصهب في الذِبَّان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن ربي قد وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا، وزادني ثلاث حثيات". قال: فما سَعة حوضك يا نبي الله؟. قال: "كما بين عدن إلى عمان وأوسع وأوسع". يشير بيده. قال: فيه مَثْعَبَانِ من ذهب وفضة. قال: فما حوضك يا نبي الله؟. قال: "ماء أشد بياضا من اللبن، وأحلى مذاقة من العسل، وأطيب رائحة من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعدها ولم يسودَّ وجهه أبدا". الأصهب: لونه يضرب إلى شيء من الحمرة. الذِبَّان: جمع ذُباب. المَثْعَب: مسيل الماء.
[صفوان بن عمرو بن هرِم السكسكي حمصي ثقة فيه لين مات سنة 155. سُليم بن عامر الخبائري حمصي ثقة مات بعد سنة 112 ويقال سنة 130. أبو اليمان الهوزني عامر بن عبد الله بن لـُحَي حمصي ذكره ابن حبان في الثقات. أبو أمامة الباهلي صُدي بن عجلان صحابي نزل حمص مات سنة 86 أو قبلها]. هذا الطريق ظاهره الصحة.
ورواه الطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين وأبو نعيم في معرفة الصحابة والبيهقي في كتاب البعث والنشور وبقي بن مخلد في كتاب الحوض والكوثر من طرق عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي أمامة.
ورواه ابن أبي شيبة وابن حنبل والترمذي وابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة والمحاملي في أماليه وابن حبان والطبراني في الكبير ومسند الشاميين والبيهقي في الأسماء والصفات، من طرق عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني أنه قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا, مع كل ألف سبعون ألفا, لا حساب عليهم ولا عذاب, وثلاثَ حَثَيَات من حثيات ربي". قال الترمذي: حسن غريب.
ورواه الطبراني في الكبير من طريقين عن بقية بن الوليد عن محمد بن زياد به نحوه.
[إسماعيل بن عياش حمصي صدوق فيه لين في روايته عن أهل بلده ضعيف في غيرهم مات سنة 181. بقية بن الوليد حمصي صدوق فيه لين ويدلس عن الضعفاء ويسوي، مات سنة 198. محمد بن زياد الألهاني حمصي ثقة فيه لين مات قبل سنة 140]. هذا الطريق يؤكد صحة الرواية عن أبي أمامة، ويضيف أن أبا أمامة سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما كان ذكر السماع هنا من أوهام إسماعيل بن عياش.
ـ ورواه ابن أبي عاصم في السنة وفي الآحاد والمثاني والبغوي في معجم الصحابة والطبراني في الكبير والأوسط ومسند الشاميين وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة، من طرق عن أبي توبة الربيع بن نافع عن معاوية بن سلّام عن أخيه زيد بن سلّام عن أبي سلّام عن عبد الله بن عامر أن قيس بن الحارث الكندي حدَّث الوليدَ بنَ عبد الملك عن أبي سعد الأنصاري ـ أو عن أبي سعيد الحُبْراني الأنماري ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، ويشفع كل ألف لسبعين ألفا، ثم يحثيَ لي ثلاث حثيات بكفه". قال قيس: فأخذت بتلابيب أبي سعيد، فجذبته جذبة وقلت: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!. قال: نعم، بأذني، ووعاه قلبي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ذلك يستوعب إن شاء الله مهاجري أمتي، ويوفينا الله بشيء من أعرابنا".
[أبو توبة الربيع بن نافع حلبي ثقة ولد سنة 150 تقريبا ومات سنة 241. معاوية بن سلّام حمصي دمشقي ثقة مات قبل سنة 170. زيد بن سلّام دمشقي صدوق ثقة مات قرابة سنة 125. أبو سلّام ممطور الحبشي صدوق ثقة يرسل مات قرابة سنة 105. عبد الله بن عامر بن يزيد اليحْصَبي المقرئ دمشقي صدوق ثقة معمر مات سنة 118. قيس بن الحارث الكندي الأزدي الغامدي حمصي صدوق. أبو سعيد الحُبراني الأنماري تابعي، وقد تصحف ـ على ما يبدو ـ عن أبي سعد الخير، وهذا شامي قيل اسمه عامر بن سعد وقيل عمرو بن سعد، وقيل فيه له صحبة، ولكن هو شبه مجهول]. فهذا الإسناد لا يحتج به.
ـ ورواه ابن أبي شيبة وابن الجعد والآجري في الشريعة عن أبي معاوية عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بنحوه. [إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة مدني متروك الحديث واتهم بالكذب مات سنة 144]. فهذا إسناد تالف.
ـ ورواه ابن حنبل عن هاشم بن القاسم عن المسعودي عن بكير بن الأخنس عن رجل عن أبي بكر الصديق بنحوه. [هاشم بن القاسم بغدادي ثقة مات سنة 207. المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة كوفي ثقة ثم اختلط ومات سنة 160. بكير بن الأخنس كوفي ثقة مات قرابة سنة 115]. هاشم بن القاسم سمع من المسعودي بعد اختلاطه، وفي السند راو مبهم، فهذا إسناد تالف.
ـ ورواه ابن حنبل والبزار عن عبد الله بن بكر السهمي عن هشام بن حسان عن القاسم بن مهران عن موسى بن عبيد عن ميمون بن مهران عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بنحوه. [عبد الله بن بكر السهمي بصري ثقة مات سنة 188. هشام بن حسان بصري صدوق ثقة فيه لين مات سنة 147. القاسم بن مهران مجهول. موسى بن عبيد مجهول. ميمون بن مهران الجزري الكوفي الرقي ثقة مات سنة 117]. فهذا إسناد تالف.
ـ ورواه الطبراني في مسند الشاميين عن الحسن بن العباس الرازي عن عبد السلام بن عاصم عن أبي زهير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن هشام القردوسي عن ميمون بن مهران عن مكحول عن عاصم بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب بنحوه. [الحسن بن العباس الرازي ثقة مات سنة 289. عبد السلام بن عاصم قال أبو حاتم شيخ، فهو مجهول الحال. أبو زهير عبد الرحمن بن مَغْراء الكوفي الرازي صدوق فيه لين وفي روايته عن الأعمش مناكير، ومات قبل سنة 200. عبد الملك بن أبي سليمان كوفي ثقة فيه لين مات سنة 145]. هذا الإسناد فيه عبد السلام بن عاصم وهو مجهول الحال، وقد رواه الراوي الثقة عن هشام بن حسان عن القاسم بن مهران عن موسى بن عبيد عن ميمون بن مهران، كما في الرواية السابقة، والقاسم بن مهران وموسى بن عبيد مجهولان، وحذف الراوي المجهولُ الحالِ الراويين المجهولين وسوَّى إسناده وجعله عن هشام بن حسان عن ميمون بن مهران، فهذا إسناد تالف.
ـ ورواه ابن حنبل عن حسن بن موسى عن عبد الله بن لهيعة عن أبي قبيل عن عبد الله بن ناشر من بني سريع عن أبي رهم قاص أهل الشام عن أبي أيوب الأنصاري بنحوه. [حسن بن موسى البغدادي ثقة مات سنة 209. عبد الله بن لهيعة مصري يخطئ من حفظه وكتبه متقنة ويدلس عن المتروكين وكل ما دُفع إليه قرأه، ومات سنة 174. أبو قبيل المعافري حيي بن هانئ مصري صدوق ثقة فيه لين مات سنة 128. عبد الله بن ناشر مجهول. أبو رهم ذكره ابن حبان في الثقات]. فهذا إسناد تالف.

* درجة الحديث:
الأحاديث الصحيحة تقصُر عدد الذين يدخلون الجنة بغير حساب على سبعين ألفًا، وتحدد لهم صفاتٍ بها يستأهلون هذه المرتبة العالية، "هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون"، والروايات التي بعدها لا تقصُر العدد على حد، ولا تحدد لهم صفاتٍ بها يستأهلون هذه المرتبة العالية!.
قال الله تعالى {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}، وأقول قبل الاستنباط من الآية الكريمة: جلَّ ربنا وتعالى وتقدس عن مشابهة المخلوقين، فلا يجوز أن يكون في البال شيء من تشبيه المولى تعالى بخلقه.
ثم أقول: إذا كانت الحَثْيَة الواحدة تستوعب الأرض والسماوات فهذا يعني أن المؤمنين كلهم مشمولون بها، لأنهم ليسوا بخارجين عن أقطار السماوات والأرض، وأن المؤمنين جميعا يدخلون الجنة بغير حساب!، وإذا كان ذلك كذلك فمَن المؤمنون الذين يدخلون الجنة بعد أن يحاسبوا؟!، ومَن المؤمنون الذين يدخلون الجنة بعد أن يدخلوا النار ويُخرَجوا منها؟!.
ـ فالحديث بهذا اللفظ "سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون" صحيح، وهذا مقام عالٍ في التوكل.
ـ والحديث بلفظ "إن الله وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا بغير حساب مع كل ألف سبعون ألفا وزادني ثلاث حثيات" غريب لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال الإمام الترمذي رحمه الله بعد تخريجه في كتاب السنن: حسن غريب. وفي هذا إشارة إلى تضعيفه من حيث المعنى.
إشكال وجواب حول هذا الحديث:
إذا كان إسناد اللفظ الثاني صحيحا عن أبي أمامة الباهلي وعن أبي سعد الأنصاري فمن أين يأتيه الخلل؟.
الذي يظهر لي أن أبا أمامة الباهلي سمعه من أبي سعد الأنصاري، وأن هذا سمعه من أحد المجاهيل الذين يريدون إشاعة بدعة الإرجاء في هذه الأمة، وهي القول بأن كل المؤمنين ناجون من العذاب، وأنهم لا يدخلون النار مَن عمل الصالحات ومَن لم يعمل، وأن العمل الصالح هو من باب النافلة!.
وهذا باب خطير، وشر مستطير، تدخل منه البدع على هذه الأمة، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: [فلهذا عَظـُم القولُ في ذم الإرجاء، حتى قال إبراهيم النخعي: "لفتنتـُهم أخوفُ على هذه الأمة من فتنة الأزارقة". وقال الزهري: "ما ابتـُدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء". وقال الأوزاعي: "كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان ليس شيء من الأهواء أخوفَ عندهم على الأمة من الإرجاء". وقال شريك القاضي: "هم أخبث قوم، حسبك بالرافضة خبثا، ولكن المرجئة يكذبون على الله". وقال سفيان الثوري: "تركتِ المرجئة الإسلام أرق من ثوبٍ سابـِري"]. والسابـِريّ ضرْب رقيق من الثياب يُعمل بِسابور، موضعٍ بفارس.
والله أعلم.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 30/ 3/ 1437، الموافق 10/ 1/ 2015، والحمد لله رب العالمين. 

الاثنين، 11 يناير 2016

حديث "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا"

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وله الحمد في الأولى والآخرة.

حديث "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا"

البحث في هذا الحديث يتناول مسألتين: إحداهما في رفعه ووقفه، والأخرى في معرفة اللفظ الثابت فيه.
* المسألة الأولى في معرفة هل هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوف على الصحابي:
ـ هذا الحديث رواه بالرفع: أبو داود في السنن وابن خزيمة في التوحيد وابن حبان والآجري وابن بطة واللالكائي والخطيب البغدادي وأبو القاسم الأصبهاني من طرق عن أبي معاوية محمد بن خازم عن الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صُبيح عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه ابن بطة من طريق راو عن أبي معاوية ومن طريق محاضر بن المورع ومن طريق وكيع ومن طريق راو آخر عن أبي معاوية بطريق الجمع عن الأعمش عن مسلم بن صُبيح به مرفوعا.
والرواية في الطرق المجموعة لا يحصل بها معرفة من روى الحديث بالرفع تحديدا هل كلهم أو بعضهم؟، لِما شاع عندهم من جمع الرواة في الرواية وهي للكل أو الأول أو الأخير منهم، وربما كان في صنيع ابن بطة في البدء بأحد الطريقين عن أبي معاوية والختم بالطريق الثاني عنه إشارةٌ إلى أن الذي روى الحديث بالرفع هو أبو معاوية.
ـ ورواه بالوقف: ابنُ خزيمة والبيهقي في الأسماء والصفات والخطيب البغدادي من بعض الطرق عن أبي معاوية، ومحمدُ بن نصر وابن خزيمة من طريقين عن وكيع، والدارميُّ في الرد على الجهمية وابن خزيمة واللالكائي من ثلاثة طرق عن شعبة، وأبو الشيخ في العظمة من طريق سفيان الثوري، وابنُ خزيمة من طريق عبد الله بن نمير، خمستهم عن الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صُبيح به موقوفا على ابن مسعود.
ورواه محمد بن نصر من طريق السدي عن أبي مالك عن مسروق به موقوفا.
فالطريق المرفوع معلول بالوقف على الصحابي، وهذا ما فعله الدارقطني إذ قال في كتاب العلل: "رواه أصحاب أبي معاوية غيرَ من سمينا وأصحابُ الأعمش موقوفا، والموقوف هو المحفوظ".
* المسألة الثانية في معرفة اللفظ الثابت في هذا الحديث بغض النظر عن الرفع والوقف:
ـ هذا الحديث مروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيُصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فُزِّع عن قلوبهم، فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك؟، فيقول: الحق، فيقولون: الحق، الحق".
اختلفت الروايات في جزء من الحديث: فرواه بعضهم بلفظ "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة"، بمعنى أن الصوت المسموع وقت تكلم الله تعالى بالوحي هو صوت السماء، ورواه بعضهم بلفظ "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة"، وهذه الرواية لا تحدد مصدر الصوت، ورواه بعضهم بلفظ "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء له صلصلة"، وفي هذه الرواية إشارة إلى أن الصوت هو لله!، ورواه بعضهم بلفظ "إذا تكلم الله بالوحي سمع صوتَه أهلُ السماء"، وهذه الرواية فيها تصريح بنسبة الصوت لله جل وعلا!.
ـ الحديث باللفظ الأول رواه ابنُ حبان والخطيب البغدادي من طريقين عن علي بن الحسين ابن إشكاب، وأبو القاسم الأصبهاني في الحجة من طريق أحمد بن أبي سريج، والبيهقيُّ في الأسماء والصفات من طريق إسماعيل بن محمد الصفار عن سعدان بن نصر، ثلاثتهم عن أبي معاوية محمد بن خازم، وابنُ خزيمة عن سلم بن جنادة عن وكيع، وابنُ خزيمة عن محمد بن بشار عن محمد بن إبراهيم بن أبي عدي عن شعبة، ثلاثتهم أبو معاوية ووكيع وشعبة عن الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صُبيح عن مسروق عن عبد الله بن مسعود.
ورواه كذلك ابن خزيمة عن أبي موسى عن مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن منصور عن مسلم بن صُبيح به.
ورواه أبو داود في السنن وابنُ خزيمة في التوحيد من طرق مجموعة عن أبي معاوية عن الأعمش به.
ورواه ابن بطة من طريق علي بن حرب وأحمدَ ابنِ حنبل عن أبي معاوية ومن طريق محاضر بن المورع ووكيع، ثلاثتهم بطريق الجمع عن الأعمش عن مسلم بن صبيح به.
والطرق المجموعة لا يحصُل بها معرفة من روى الحديث بذلك اللفظ المروي من أولئك الرواة، لِما شاع عندهم من جمع الرواة في الرواية والاقتصار على لفظِ واحد منهم فيما إذا كانت ألفاظهم متقاربة.
[سليمان بن مهران الأعمش كوفي ثقة قد يدلس الإسناد مات سنة 148. أبو الضحى مسلم بن صُبيح كوفي ثقة مات سنة 100. مسروق بن الأجدع كوفي ثقة ثقة مات سنة 63. عبد الله بن مسعود صحابي جليل نزيل الكوفة مات سنة 32]. فهذا هنا إسناد جيد.
ـ الحديث باللفظ الثاني رواه ابنُ خزيمة في التوحيد عن علي بن الحسين ابن إشكاب والآجريُّ وابن بطة من ثلاثة طرق أخرى عن ابن إشكاب، والخطيبُ البغدادي من طريق محمد بن عمرو بن البختري عن سعدان بن نصر، وابنُ بطة واللالكائيُّ من ثلاثة طرق أخرى، خمستهم عن أبي معاوية، ورواه محمدُ بن نصر عن إسحاق بن راهويه عن وكيع، وابنُ خزيمة من طريق محمد بن جعفر، واللالكائيُّ من طريق وهب بن جرير بن حازم، والدارميُّ في الرد على الجهمية عن محمد بن بشار عن محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثلاثتهم عن شعبة، ، وأبو الشيخ في العظمة عن محمد بن زكريا القرشي عن أبي حذيفة موسى بن مسعود عن سفيان الثوري، وابنُ خزيمة من طريق عبد الله بن نمير، خمستهم أبو معاوية ووكيع وشعبة وسفيان الثوري وعبد الله بن نمير عن الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله بن مسعود. فهذا إسناد جيد.
ـ الحديث باللفظ الثالث رواه عبد الله بن أحمد في السنة عن أبي معْمر عن جرير وابنِ نمير وأبي معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله أنه قال: "إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء له صلصلة كصلصلة الحديد على الصفا". ورواه النجاد في كتاب الرد على من يقول القرآن مخلوق عن عبد الله بن أحمد به.
[أبو معمر الهُذلي إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي هروي نزيل بغداد ثقة مات سنة 236]. إذا كان هذا النص ثابتا عن عبد الله بن أحمد فظاهر الإسناد أنه جيد.
ورواه محمد بن نصر بما يشبه معناه عن إسحاق بن راهويه عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبي مالك عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "إن الله إذا ألقى الوحي سمع له أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان". [عبيد الله بن موسى كوفي ثقة فيه لين مات سنة 213. إسرائيل بن يونس كوفي ثقة فيه لين مات سنة 161. إسماعيل بن عبد الرحمن السدي كوفي ثقة فيه لين مات سنة 127. أبو مالك غزوان الغفاري كوفي صدوق]. فهذا إسناد لين.
ـ الحديث باللفظ الرابع رواه عبد الله بن أحمد في نسخة كتاب السنة المنسوبة إليه عن أبيه عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله أنه قال: "إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع صوتَه أهلُ السماء، فيخرون سجدا، حتى إذا فزع عن قلوبهم ـ قال سكن عن قلوبهم ـ نادى أهلُ السماء ماذا قال ربكم؟، قالوا الحق". ورواه النجاد في كتاب الرد على من يقول القرآن مخلوق عن عبد الله بن أحمد به، ونقله السجزي في النسخة المنسوبة إليه من رسالة الرد على من أنكر الحرف والصوت عن عبد الله ابن أحمد به.
ورواه ابن بطة عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي عن الحسن بن عرفة عن المحاربي به.
[أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي بغدادي ثقة مات سنة 329. الحسن بن عرفة بغدادي ثقة معمر مات سنة 257 وقد جاز المئة. عبد الرحمن بن محمد المحاربي كوفي صدوق ثقة فيه لين وكان يدلس الإسناد ومات سنة 195]. المحاربي ـ زيادة عما فيه من لين ـ لم يصرح بما يدل على السماع، فهذا إسناد ضعيف.
ملحوظة: لم أجد هذا الحديث في مصدر موثوق به من طريق الإمام أحمد بهذا اللفظ ولا من طريقه عن المحاربي بهذا اللفظ ولا بغيره، ورواه ابن بطة عن إسحاق بن أحمد الكاذي عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن أبي معاوية بطريق الجمع بلفظ "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة"، وعزاه ابن حجر في فتح الباري لأحمد عن أبي معاوية بهذا اللفظ، وقال في تغليق التعليق "رواه الإمام أحمد عن أبي معاوية فوقفه"، وربما أخذها من قول اللالكائي في شرح أصول اعتقاد اهل السنة "رواه أحمد ابن حنبل عن أبي معاوية موقوفا".
* درجة أسانيد الألفاظ الأربعة الواردة في هذا الحديث:
الروايات المتعددة عن الأعمش باللفظ الأول والثاني تؤكد ثبوت اللفظين عنه، أحدهما "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة"، والثاني مثله دون لفظة "للسماء"، فالظاهر أنه كان يقوله مرة هكذا ومرة هكذا، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن اللفظ الأول صحيح ثابت عن الأعمش بزيادة هذه اللفظة.
أما اللفظ الثالث "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء له صلصلة" فهذا مروي في كتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد، والنسخة التي وصلتنا من الكتاب ليست ثابتة عن المؤلف.
ورواه أحمد بن سلمان النجاد في كتاب الرد على من يقول القرآن مخلوق عن عبد الله بن أحمد به، وقد يُظن أن في روايته للحديث بهذا اللفظ تثبيتا لما جاء في نسخة كتاب السنة، وليس كذلك، لأن النجاد روايته لا تصل لمرتبة الاحتجاج، فقد قال فيه الإمام الدارقطني "حدَّث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله"، ورواية مَن هذا حاله لا يصح الاعتماد عليها، ويتأكد هذا بما قاله فيه الحافظ ابن عبدان، فقد سأل حمزة بن يوسف السهمي الإمامَ الحافظ أحمدَ بن عبدان الشيرازي المتوفى سنة 388 عن أحمد بن سلمان النجاد فقال "لا يُدخل في الصحيح".
وأما ما رواه محمد بن نصر من طريق أبي مالك عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال "إن الله إذا ألقى الوحي سمع له أهل السماوات صلصلة" فهو ليس بمعنى الرواية التي تتحدث عن صوت لكلام الله تماما، والسند فيه ثلاثة من الرواة كل واحد منهم ثقة فيه لين، فالسند لين.
وأما اللفظ الرابع المصرح بنسبة الصوت لله سبحانه وتعالى "إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع صوتَه أهلُ السماء" ففي سنده عبد الرحمن بن محمد المحاربي، وهو صدوق ثقة فيه لين، وكان يدلس الإسناد، ولم يصرح بالسماع، فالسند ضعيف.
* شواهد للفظ الأول من روايات الحديث:
روى البخاري والحميدي والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في التوحيد وابن حبان واللالكائي من ثمانية طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير". ففي هذا الحديث أن الصوت هو صوت أجنحة الملائكة.
وروى مسلم وعبد بن حميد والترمذي والنسائي في الكبرى وابن حبان عن عبد الله بن عباس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ولكنْ ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبَّح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم؟، فيخبرونهم ماذا قال، فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا". وفي هذا الحديث ما يشير إلى أن أهل السماء يسبحون عند سماعهم صوت التسبيح من حملة العرش.
وروى محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة وابن أبي عاصم في السنة والطبري في التفسير وابن خزيمة في التوحيد والآجري والطبراني في مسند الشاميين، عن جماعة عن نُعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عبد الله بن أبي زكريا عن رجاء بن حيوة عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي، فإذا تكلم أخذت السماواتِ منه رجفةٌ شديدة خوفا من الله، فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجودا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد".
[نُعيم بن حماد مروزي سكن مصر صدوق يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة ومات سنة 228. الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة فيه لين كثير التدليس والتسوية مات سنة 195. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الداراني ثقة مات سنة 154. عبد الله بن أبي زكريا الدمشقي صدوق ثقة مات سنة 117. رجاء بن حيوة الفلسطيني ثقة مات سنة 112. النواس بن سمعان صحابي مات سنة 45 تقريبا].
لكن حديث النواس بن سمعان معلول، فقد ذكر الحافظ أبو زرعة الدمشقي في تاريخه أنه عرض هذا الحديث على شيخه الإمام الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي الملقب بدُحيم فقال: لا أصل له.
وليس في هذه الروايات أن لكلام الله تعالى صوتا.
* روايات في نسبة الصوت لكلام الله جل وعلا:
وردت عدة روايات فيها نسبة الصوت لله جل وعلا، أذكر هنا ما وقفت عليه الآن منها مع التعليق على الإسناد:
1 ـ روى محمد بن نصر والنجاد من طريقين عن جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس أنه قال: "إن الله إذا تكلم بالوحي سمع له أهل السماوات صوتا كصوت الحديدة إذا وقعت على الصفا، فيخرون سجدا، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير".
أقول:
جرير بن عبد الحميد الرازي نشأ بالكوفة ونزل الري، ثقة ربما دلس الإسناد ونُسب في آخر عمره لسوء الحفظ، ولد سنة 110 ومات سنة 188. يزيد بن أبي زياد كوفي صدوق فيه لين ولما كبر زاد سوء حفظه وصار يُلقن فيتلقن، ولد سنة 47 ومات سنة 136. عبد الله بن الحارث بن نوفل مدني ثقة مات سنة 84.
ومما قيل في يزيد بن أبي زياد في باب الجرح والتعديل: قال أحمد بن صالح المصري: ثقة. وقال الإمام أحمد: ليس حديثه بذاك، ليس بالحافظ. وقال يحيى بن معين: ليس بالقوي، لا يُحتج بحديثه، ضعيف. وقال أبو زرعة: لين يكتب حديثه. وقال أبو حاتم والنسائي والبرديجي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه. وقال الدارقطني: لا يُخرج عنه في الصحيح، ضعيف يخطئ كثيرا، يتلقن إذا لـُقن، كان قد اختلط، ضعيف لا يحتج به، ليس بثقة، سيئ الحفظ. وقال ابن حبان: كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير وكان يُلقن ما لـُقن فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح. وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلا أنه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب. ولم أجد من نص على وقت تغيره.
جرير بن عبد الحميد ولد قبل وفاة شيخه المعمَّر يزيد بن أبي زياد بنحو ستة وعشرين عاما، والغالب على أهل الكوفة أنهم لا يبدؤون بكتابة الحديث إلا بعد العشرين أو نحوَها، فالظاهر أنه سمع من يزيد بعدما كبر وزاد سوء حفظه وصار يقبل التلقين.
هذا وقد وقفت على سنوات وفَيات أربعين شيخا من شيوخ جرير بن عبد الحميد، فوجدت أن أكثرهم ماتوا بعد يزيد بن أبي زياد، وأنه روى عن خمسةٍ وفَياتهم سنة 136 كسنة وفاة شيخه يزيد، وعن واحد فقط وفاته سنة 132، وعن واحد وفاته سنة 131، وعن واحد وفاته سنة 130، وعن واحد وفاته سنة 129، وعن واحد وفاته سنة 128، وإذا كان جرير قد أدرك هذا الأخير وأخذ عنه الحديث وكانت تلك السنة هي سنة بدئه بطلب العلم فهذا يعني أنه بدأ بالأخذ عن يزيد عندما كانت سن الشيخ فوق الثمانين، وهذه من القرائن كذلك على أن جريرا أدرك شيخه هذا بعد التغير.
فإسناد هذه الرواية ضعيف.
2 ـ روى الطبري عن محمد بن حُميد الرازي عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله أنه قال: "إن الوحي إذا قضي في زوايا السماء مثل وقع الفولاذ على الصخرة".
أقول:
محمد بن حميد الرازي حافظ ضعيف متهم بالكذب مات سنة 248. جرير بن عبد الحميد الرازي ثقة ربما دلس الإسناد ونُسب في آخر عمره لسوء الحفظ، ومات سنة 188. مغيرة بن مقسم الضبي كوفي ثقة يدلس الإسناد وخاصة عن إبراهيم النخعي، ومات سنة 134. إبراهيم بن يزيد النخعي كوفي ثقة مات سنة 96. فإسناد هذه الرواية تالف.
3 ـ روى الطبري قال: حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: "لما أوحى الله تعالى ذكْره إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسولَ من الملائكة فبعث بالوحي، سمعت الملائكة صوت الجبار يتكلم بالوحي، فلما كشف عن قلوبهم سألوا عما قال الله، فقالوا الحق، وعلموا أن الله لا يقول إلا حقا، وأنه منجز ما وعد، وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا".
أقول:
محمد بن سعد هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي: قال الدارقطني لا بأس به، وقال الخطيب كان لينا في الحديث، مات سنة 276. أبوه هو سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي، روى عن أبيه وعمه الحسين، قال أحمد: لم يكن ممن يستأهل أن يُكتب عنه ولا كان موضعا لذاك. عمه هو الحسين بن الحسن بن عطية العوفي الكوفي قاضي بغداد متفق على تضعيفه ومات سنة 201. أبوه هو الحسن بن عطية العوفي ضعيف لعله مات سنة 141. أبوه هو عطية بن سعد بن جنادة العوفي لين يدلس الإسناد ومات سنة 111. فهذا السند ضعيف ضعفا شديدا.
4 ـ روى الطبري قال حُدثت عن الحسين قال سمعت أبا معاذ قال أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول: كان ابن عباس يقول: "إن الله لما أراد أن يوحي إلى محمد دعا جبريل، فلما تكلم ربنا بالوحي كان صوته كصوت الحديد على الصفا".
أقول:
لم يذكر الطبري من حدثه بهذا عن الحسين، وحقق الباحث الفاضل أكرم بن محمد زيادة أنه الحافظ الثقة عبدان بن محمد بن عيسى المروزي المتوفى سنة 293. الحسين هو ابن الفرج بغدادي ضعيف يسرق الحديث. أبو معاذ الفضل بن خالد مروزي ذكره ابن حبان في الثقات مات سنة 211. عبيد بن سليمان كوفي مروزي لين. الضحاك بن مزاحم خراساني ثقة فيه لين ويدلس الإسناد، ولم ير ابن عباس، ومات سنة 105. فهذا السند تالف.
5 ـ روى أبو القاسم الأصبهاني في كتاب الحجة عن الحافظ الطبراني عن يحيى بن عثمان بن صالح المصري عن هاشم بن محمد الربعي عن عنبسة بن خالد عن عبد الله بن المبارك عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السموات لذلك صلصلة كصلصلة الحديد على الصفا، فيُصعقون، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير".
أقول:
يحيى بن عثمان بن صالح المصري صدوق فيه لين مات سنة 282. هاشم بن محمد الربعي صدوق فيه لين. عنبسة بن خالد الأيلي صدوق فيه لين مات سنة 198. فهذا إسناد ضعيف.
6 ـ روى الطبري في التفسير عن أحمد بن عبدة الضبي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله إذا قضى أمرا في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها جميعا، ولقوله صوتٌ كصوت السلسلة على الصفا".
أقول:
روى البخاري وغيره ـ كما تقدم في الشاهد الأول من شواهد اللفظ الأول من روايات حديث ابن مسعود ـ هذا الحديثَ من ثمانية طرق عن سفيان بن عيينة به، وليس في واحد منها هذا اللفظ المستغرب "ولقوله صوتٌ كصوت السلسلة على الصفا".
ومن تلك الطرق طريقُ أحمد بن عبدة الضبي عن سفيان بن عيينة الذي رواه ابن منده في كتاب التوحيد، وليس عنده هذا اللفظ المستغرب، واللفظ عنده هو بمثل رواية الجماعة.
فاللفظ المروي في تفسير الطبري عن أحمد بن عبدة هنا هو خطأ واضح مجانب للصواب مخالف لرواية الجماعة.
ـ فأسانيد هذه الروايات في نسبة الصوت لله رب العالمين هي ما بين ضعيف وتالف وخطأ.
* ويبدو أن هذه الروايات هي مما تسرب إلى بعض الرواة من مسلمة أهل الكتاب:
ـ فقد روى عبد الرزاق في التفسير والبسوي في المعرفة والتاريخ والدارمي في الرد على الجهمية وعبد الله بن أحمد في السنة والطبري وابن أبي حاتم كلاهما في التفسير والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق والطبراني في الأوسط والبيهقي في الأسماء والصفات، من طرق عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال: أخبرني جَزء بن جابر الخثعمي أنه سمع كعب الأحبار يقول: "لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل لسانه, وطفق موسى يقول: والله يا رب ما أفقه هذا. حتى كلمه آخر ذلك بلسانه مثل صوته, فقال: يا رب هذا كلامك؟. فقال الله: لو كلمتك بكلامي لم تك شيئا. أو قال: لم تستقم له. قال: يا رب هل من خلقك شيء يشبه كلامك؟. قال: لا, وأقرب خلقي شبها كلامي أشد ما يسمع الناس من الصواعق.
[أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مدني ثقة ثقة ولد سنة 23 أو قبلها ومات سنة 94. جرير بن جابر أو جَزء بن جابر أو جَرز بن جابر الخثعمي صدوق ذكره ابن حبان في الثقات، ونقل البسوي ما يدل على زهذه وصلاحه وفضله. كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحمْيري من مسلمة أهل الكتاب سكن حمص ومات بها سنة 32 أو بعدها]. فالسند إلى كعب لا بأس به.
قال ابن كثير بعد أن ذكر هذا الأثر في التفسير: "هذا موقوف على كعب الأحبار، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين". قلت: وهذا من الغث.
ـ وروى عبد الله بن الإمام أحمد في السنة والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق عن محمد بن بكار عن أبي معشر عن محمد بن كعب القُرظي أنه قال: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام بم شبهت صوت ربك عز وجل؟، قال: شبهت صوته بصوت الرعد حين لا يترجع. ترجيع الصوت: ترديده. [أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني المتوفى سنة 170، وهو ضعيف].
ورواه الآجري عن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي عن عبد الوهاب الوراق عن أبي النضر عن معمر عن محمد بن كعب القرظي به. [عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي البغدادي وثقه الخطيب، مات سنة 305 تقريبا. عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق بغدادي ثقة مات سنة 250. أبو النضر لعله هاشم بن القاسم البغدادي وهو ثقة ولد سنة 134 ومات سنة 207. معْمر بن راشد بصري ثقة فيه لين ولد سنة 96 ومات سنة 154. محمد بن كعب القرظي أبوه من سبي قريظة، وهو مدني ثقة ولد سنة 40 ومات سنة 118]. فالسند إلى محمد بن كعب لا بأس به.
* قال عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة 600 في عقيدته: روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إذا تكلم الله بالوحي سمع صوتَه أهل السماء كجر السلسة على الصفوان فيخرون سجداً".
قال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد: [وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهلُ السماء"، روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم].
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 1233 في كتابه تيسير العزيز الحميد والشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 1285 في كتابه فتح المجيد: روى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: "لما أوحى الجبار إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسولَ من الملائكة ليبعثه بالوحي، فسمعتِ الملائكة صوتَ الجبار يتكلم بالوحي، فلما كشف عن قلوبهم سألوا عما قال الله، فقالوا: الحق، وعلموا أن الله لا يقول إلا حقا".
هل هذا يحتاج إلى البحث عن سنده ودراسة الإسناد؟ أو يكفي أن نجده في الدر المنثور للسيوطي؟!.
من الغريب أن بعض من يتكلمون في العقائد يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على من يحتج في مسألة في فضائل الأعمال بحديث لم يقف على سنده أو بحديث ضعيف الإسناد، ولكن مسائل العقيدة ـ والتي هي أهم من مسائل الأعمال وفضائلها بكثير ـ يستدلون فيها بالروايات التي لم يقفوا على إسنادها أو التي سندها ضعيف!.
قال ابن عثيمين في تعليقه على لمعة الاعتقاد: [قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي"، أخرجه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم، وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو كلام حقيقي يليق بالله يتعلق بمشيئته، بحروف وأصوات مسموعة، والدليل على أنه بمشيئته قوله تعالى {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه}، فالتكليم حصل بعد مجيء موسى، فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى].
أقول: كلام الله سبحانه وتعالى أزلي، والذي حصل بعد مجيء موسى عليه السلام لميقات ربه هو إسماعه الكلام.
قال أبو الأشبال المنصوري المصري في شرح كتاب الإبانة: [حديث "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة": إذا تكلم الله تعالى بكلامه بالوحي سمع أهل السماء من الملائكة للسماء جرسا وأصواتا عالية كجر السلسلة على الصفا، وهو الحجر الأملس، أي: كما لو أتيت بسلسلة أو جنزير ووضعتها على حجر أملس ناعم لا يستقر عليه شيء، ولو أجريت السلسلة على هذا الحجر لا بد أنك تسمع صوتا عاليا، فكذلك إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع الملائكة في السماء لهذا الوحي صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيُصعقون، وهذا من شدة الوحي].
* هل يتكلم الله جل وعلا بصوت أو بدون صوت؟ وهل يسمِع مَن يشاء إسماعه ما شاء من كلامه بصوت أو بدون صوت؟:
الله جل جلاله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
نثبت له صفة الكلام، كما أجمعت على ذلك الأمة، وهو يكلم مَن شاء بما شاء في الوقت الذي يشاء، وقد كلم موسى عليه السلام، ويخاطب عباده يوم الحساب في الموقف العظيم، كما جاء في كتاب ربنا عز وجل وكما صح وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن العبد المخلوق الضعيف يكون قد تجاوز قدر نفسه جدا إذا فكر أن يسأل كيف؟، فالله سبحانه وتعالى لا يعلم كيف هو إلا هو، وقد قال الله تعالى شأنه {ولا يحيطون به علما}.
ـ والغريب أنك تجد من يقول بأنه إذا تكلم الله عز وجل سُمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان، وأن الذين ينكرون هذا هم جهمية كفار.
هذا الكلام غير مقبول سندا ولا متنا:
أما السند فضعيف، وأما المتن فهو مخالف لقول الله جل وعلا {ليس كمثله شيء}.
والنتيجة هي أن يكفر المسلمون بعضهم بعضا، وأن يستحلوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم. وإلى الله المشتكى.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 16/ 3/ 1437، الموافق 27/ 12/ 2015، والحمد لله رب العالمين.