* نقل
بعض الناس سامحه الله عني كلاما في موضوع التكفير مما فهمه من كلامي،
والذي ينقل
بالمعنى فإنه قد يقع له شيء من تغيير المعنى وهو لا يدري.
وللتوضيح
أقول:
قلت في
كتابي الذي سميته بتكفير من لا يستحق التكفير: "مَن اعتقد اعتقادا يناقض
ما ثبت
ثبوتا قاطعا في الكتاب والسنة وعُلم من الدين بالضرورة فقد كفر، ومن فعل
فعلا أو قال
قولا يدل دلالة قاطعة على أنه صادر ممن يعتقد ذلك الاعتقاد فقد كفر".
وأقول: هذا متفق
عليه بين علماء الإسلام، ولا يخالف فيه منهم أحد.
* ـ هل
هناك نقطة اختلف فيها العلماء مما يتعلق بهذا الموضوع؟، وما هي؟:
الجواب:
نعم، وإليك البيان:
الفعل أو
القول الذي ليس فيه دلالة قاطعة على أنه صادر ممن يعتقد
اعتقادا يناقض الثابتَ
ثبوتا قاطعا في الكتاب والسنة المعلومَ من الدين بالضرورة: قد
يأتي به المسلم السفيه
على وجه السفه، لا على وجه القصد للمعنى الكفري، وهذا لا
يحكُم كثير من أهل العلم بكفر
من أتى به، ولا يحكمون بخروجِه بذلك من دين
الإسلام، وما ذلك إلا لانتفاء قصد المعنى
الكفري من ذلك الفعل أو القول، وخالف
فيه آخرون، وأنا مع أهل القول الأول.
وليس
معنى ذلك أنه مباح وأنه مما يُتساهل فيه، لكن بين الكفر وبين الحرام فرق كبير جدا
لا
يغيب عن بال المسلم.
ومن
اقتصر على نقل القول الثاني مقتصرا عليه وادعى اتفاق أهل العلم عليه فقد وهِم.
* ـ وهذه
بعض النصوص من كلام الفقهاء القائلين بالقول الأول:
* نقل
الفقيه المالكي الكبير محمد بن أحمد بن رشد الجد المتوفى سنة 520 عن محمد بن
أحمد
بن عبد العزيز العتبي المتوفى سنة 255 أنه قال في كتاب المستخرجة: [سئل مالك
عن
رجل نادى رجلا باسمه فقال "لبيك اللهم لبيك" أعليه شيء؟، فقال مالك:
"إن كان
جاهلا أو على وجه السفه فلا شيء عليه"].
قال ابن
رشد في شرح هذا القول: "أما الذي قاله على وجه السفه ولم ير عليه مالك في
ذلك
شيئا فمعناه: الذي يقوله على وجه الاستخفاف بالداعي له، ولا يُحمل على أحد أنه قال
لأحد مجِدًّا معتقدا أنه إلهه إلا أن يقِر بذلك على نفسه وهو عاقل غير مجنون ولا
سكران". [البيان والتحصيل لابن رشد: 16/370 - 371 ].
وقال ابن
رشد: "فلا يعْلم أحد كفر واحد ولا إيمانه قطعا إلا بالنص، أو بأن يظهر منه
عند
المناظرة والمجادلة والمباحثة لمن ناظره أو باحثه ما يقع له به العلم الضروري
بأنه معتقد
لما يجادل عليه من كفر، إلا أنَّ أحكامه تجري على الظاهر من حاله، فمن
ظهر منه ما يدل
على الكفر حُكِم له بأحكام الكفر،
ومن ظهر منه ما يدل على الإيمان
حُكِم له بأحكام الإيمان". [البيان والتحصيل: 16/ 364].
* قال الفقيه
المالكي الكبير القاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة 544 في كتابه
الشفا: [أما
من تكلم من سقط القول وسخف اللفظ ممن لم يضبط كلامه وأهمل لسانه بما
يقتضي الاستخفاف
بعظمة ربه وجلالة مولاه غيرَ قاصد للكفر والاستخفاف ولا عامدٍ
للإلحاد: فإن
تكرر هذا منه وعُرف به دلَّ على تلاعبه بدينه واستخفافه بحرمة ربه وجهله
بعظيم
عزته وكبريائه، وهذا كفر لا مرية فيه، وأما من صدرت عنه من ذلك الهَنَة
الواحدة
والفلتة الشاردة ـ ما لم يكن تنقصا وإزراءً ـ فيُعاقب عليها،
ويُؤدب بقدر مقتضاها وشنعة
معناها وصورة حال قائلها وشرح سببها ومقارنها، وقد
سئل ابن القاسم رحمه الله عن رجل
نادى رجلا باسمه فأجابه "لبيك اللهم لبيك"،
فقال: إن كان جاهلا أو قاله على وجه سفه فلا
شيء عليه]. قال القاضي عياض معلقًا
على كلام ابن القاسم: "وشرْح قوله: أنه لا قتل
عليه، والجاهل يُزجر ويُعلم،
والسفيه يُؤدب، ولو قالها على اعتقاد إنزاله منزلة ربه لكفر".
[الشفا
بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض: 2/ 299 - 300]. ومعنى "اللهم":
أي يا الله.
* قال الفقيه
المالكي العلامة ابن الشاط قاسم بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة 723
رحمه الله
تعالى رحمة واسعة: "كيف يلتبس الكفر بالكبائر؟! والكفر أمر اعتقادي
والكبائر
أعمال وليست باعتقاد، سواء كانت أعمالا قلبية أو بدنية". وقال: "إن
كان السجود للصنم
مع اعتقاد كونه إلها فهو كفر، وإلا فلا، بل يكون معصية إن كان
لغير إكراه، أو جائزا عند
الإكراه". [إدرار الشروق على أنواء البروق للعلامة
ابن الشاط: 4/ 115].
* قال الفقيه
المالكي الشيخ محمد بن الحسن البناني المتوفى سنة 1194 في مسألة وضع
البصاق على
المصحف: "أما إن بلَّ أصابعه لقصد قلب أوراقه فهو وإن كان محرما
لا ينبغي أن
يُتجاسر على القول بكفره وردته، لأنه لم يقصد التحقير الذي هو موجِب الكفر
في هذه
الأمور". [حاشية البناني على شرح الزرقاني لمختصر سيدي خليل: 8/ 63].
وقد نقل
عنه الشيخ محمد عليش هذا الفرع باختصار مع هذا التعليل وأقره. [منح الجليل:
9/
206].
* قال الفقيه
الحنفي الكبير محمد بن أحمد بن سهل السَرَخْسي المتوفى سنة 483 في مبحث
تطليق
السكران وارتداده: "لأن الردة تنبني على الاعتقاد". [المبسوط
للسرخسي: 10/ 123].
* قال
الفقيه الحنفي الكبير أبو بكر بن مسعود الكاساني المتوفى سنة 587 رحمه الله:
"الإيمان
في الحقيقة تصديق، والكفر في الحقيقة تكذيب، وكل ذلك عمل القلب". وقال
رحمه
الله: "الإيمان والكفر يرجعان إلى التصديق والتكذيب، وإنما الإقرار دليل
عليهما".
[بدائع الصنائع: 7/ 178، 134].
* قال الفقيه
الحنفي زين بن إبراهيم المعروف بابن نُجيم المتوفى سنة 970 في مبحث النية
في
الطلاق بعد ذكر عدة مسائل: "لا ينافيه قولهم إن الصريح لا يحتاج إلى
النية، فظهر بهذا
أن الصريح لا يحتاج إليها قضاءً، ويحتاج إليها ديانة".
[الأشباه والنظائر: ص 19]. رحمَ
الله ابنَ نجيم رحمة واسعة.
* قال الفقيه
الشافعي أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي المتوفى سنة 429 نقلا
عن الأصحاب: "السجود
للشمس أو للصنم وما جرى مجرى ذلك: من علامات الكفر وإنْ
لم يكن في نفسه كفرا إذا
لم يضامَّه عقد القلب على الكفر، ومَن فعل شيئا من ذلك أجرينا
عليه حكم أهل
الكفر وإن لم نعلم كفره باطنا". [أصول الدين لأبي منصور البغدادي:
ص
266]. الظاهر من قوله الأصحاب هنا: أي الشافعية والأشاعرة.
* قال الفقيه
الشافعي الإمام أبو حامد الغزالي المتوفى سنة 505 رحمه الله: "فإن قيل:
السجود بين يدي الصنم كفر وهو فعل مجرد لا يدخل تحت هذه الروابط فهل هو أصل
آخر؟.
قلنا: لا، فإن الكفر: في اعتقاده تعظيمَ الصنم، وذلك تكذيب لرسولِ الله صلى الله
عليه
وسلم والقرآنِ، ولكن يُعرف اعتقادُه تعظيمَ الصنم: تارة بتصريح لفظه، وتارة بالإشارة
إن كان أخرس، وتارة بفعل يدل عليه دلالة قاطعة كالسجود حيث لا يحتمِل أن يكون
السجود
لله وإنما الصنم بين يديه كالحائط وهو غافل عنه، أو غيرُ معتقد تعظيمَه،
وذلك يعرف
بالقرائن". [الاقتصاد في الاعتقاد: ص 160]. رحم الله الإمام
الغزالي رحمة واسعة.
* قال
الفقيه الشافعي إسماعيل بن أبي بكر ابن المقرئ المتوفى سنة 837 في كتابه الإرشاد:
"الردة
كفر مسلمٍ مكلفٍ، بنيةٍ، أو فعلٍ أو قولٍ باعتقاد". [انظر: فتح الجواد
بشرح الإرشاد:
2/ 298].
* قال
عضد الدين الإيجي الشافعي المتوفى سنة 756 رحمه الله في كتابه المواقف في مسألة
من
رُئي أنه سجد للشمس: "لو عُلم أنه لم يسجد لها على سبيل التعظيم واعتقاد
الإلهية
لم يُحكم بكفره فيما بينه وبين الله". وقال الشريف الجرجاني
الحنفي المتوفى سنة 816 في
شرح المواقف: "لو عُلم أنه لم يسجد لها على سبيل
التعظيم واعتقاد الإلهية بل سجد لها
وقلبه مطمئن بالتصديق لم يُحكم بكفره فيما
بينه وبين الله وإن أجْرِي عليه حكم الكفر في
الظاهر". [المواقف للإيجي وشرحه
للجرجاني: 3/ 532، 541].
* قال الفقيه
الشافعي جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 رحمه الله في مبحث النية:
"وتدخل
أيضا في غير الكنايات في مسائل شتى، كقصد لفظ الصريح لمعناه".
[الأشباه
والنظائر: ص 44].
فقد أفصح
رحمه الله تعالى رحمة واسعة عن أن النية لا يقتصر دخولها على مسائل الكنايات
من
الألفاظ، بل إنها تدخل كذلك في مسائل تتعلق باللفظ الصريح، ومن تلك المسائل
اشتراطُ
أن يقصد لافظُ الصريح به المعنى الذي وُضع له ذلك اللفظ واعتـُبر أنه صريح
فيه، وهذا
يعني أنه لو لم يوجد قصْد لفظ الصريح لمعناه لما وقع حكمه.
* نقلَ
الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974 كلام عضد الدين الإيجي في
المواقف
الذي تقدم قريبا وكلام الشارح مع الإقرار. [الإعلام بقواطع الإسلام: 2/ 348
المطبوع في آخر كتاب الزواجر].
وقال ابن
حجر الهيتمي كذلك في تعليل ما أفتى به على رجل من أنه يُخشى عليه من الكفر:
"فعملنا
بما دل عليه لفظه صريحا بواسطة القرينة المذكورة، وقلنا له: أنت حيث أطلقت هذا
اللفظ ولم تؤول كنتَ كافرا، لتضمُّن لفظك تسميةَ الإسلام كفرا وإن لم تقصد
ذلك، لأنا إنما
نحكم بالكفر باعتبار الظاهر، وقصْدك وعدمه إنما ترتبط به
الأحكام باعتبار الباطن، لا
الظاهر". [الإعلام بقواطع الإسلام: 2/ 19
بحاشية كتاب الزواجر].
* هذا
ومن أراد المزيد من نقل أقوال الفقهاء وذكر الأدلة فليرجع إلى كتابي "تكفير
من لا
يستحق التكفير".
* الغريب
في الأمر أن بعض من يرى ترجيح الرأي الآخَر ادَّعى الإجماع عليه!!، وكأن
الإمام
مالك بن أنس وسائر العلماء المذكورين وغيرَهم رحمهم الله تعالى ليسوا من علماء
المسلمين ولا من أهل الغيرة على الدين!!.
* ـ حذف
جزء من كلام القاضي عياض عند أحد الباحثين مما يتوقف عليه فهم المعنى:
قال أحد الباحثين:
[تتمة فيما يتعلق بالردة: قال القاضي عياض: "الوجه الثاني لاحقٌ به في
البيان، وهو أن يكون العامِد لِـما قال في جهته صلى الله عليه وسلم غيرَ قاصدٍ
للسب و
الإزراء ولا معتقدٍ له، لكنه تكلم في جهته صلى الله عليه وسلم بكلمة
الكفر من لعْنِهِ أو
سبه أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه أو نفيِ ما يجب له
مما هو في حقه صلى الله
عليه وسلم نقيصة، مثلَ أن ينسُب إليه إتيانَ كبيرة أو مداهنة
في تبليغ الرسالة أو في حكم
بين الناس، أو يغض من مرتبته أو شرف نسبه أو وفور علمه
أو زهده، أو يكذِّبَ بما اشتهر
من أمور أخبر بها صلى الله عليه وسلم وتواتر الخبر
بها عن قصد لرد خبره، أو يأتيَ بسفه
من القول أو قبيح من الكلام ونوع من السب في
جهته وإنْ ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمَّه
ولم يقصد سبه، فحكمُ هذا الوجه
حكمُ الوجه الأول، إذْ لا يُعذر أحد في الكفر بالجهالة". اهـ،
ونقل ابنُ
حجر عبارته وقال "إذ المدار في الحكم بالكفر على الظواهر لا القـُصُود
والنيات"]
. انتهى كلام الباحث.
أقول:
لا يشك
من قرأ ما نقله الباحث من كلام القاضي عياض رحمه الله في أن القاضي عياضا قد
خصص
هذه الفقرة للوجه الثاني من الأوجه التي ذكرها، وأنه ذكر فيه مَن سب النبيَّ صلى
الله عليه وسلم أو لعنه ونحو ذلك غير قاصد للسب والإزراء ولا معتقد له، وأن
الحكم في هذا
هو ذات الحكم المذكور في الوجه الأول، وأن التعليل هو أنه لا يُعذر
أحد في الكفر
بالجهالة، فمقتضى هذا هو أن القاضي عياضا رحمه الله يحكم بالكفر على
من ذكره في هذا
الوجه، وما أظن أحدا يقرأ ما نقله الباحث يفهم منه خلاف هذا.
ولفهم
كلام القاضي عياض رحمه الله لا بد من معرفة القدر الذي حذفه الباحث من كلامه
مما
يتوقف عليه فهم المعنى، وربما كان ذلك منه من باب الوهَم والنسيان:
لم يشر
الباحث إلى حكم الوجه الأول الذي ذكره القاضي عياض من حيث التكفيرُ ليُعرف
حكم
الوجه الثاني الذي قال فيه إنه مثله!!، والذي قاله القاضي عياض رحمه الله في حكم
الوجه الأول: "ووقع الخلاف في استتابته وتكفيره".
[الشفا بتعريف حقوق المصطفى
للقاضي عياض: 2 / 214].
فعُرف من
هذا أن الحكم في الوجه الأول عند القاضي عياض من حيث التكفير هو أنه وقع
اختلاف في
تكفيره، فإذا قال القاضي عياض في الوجه الثاني "فحكـْم هذا الوجه حكـْم
الوجه
الأول" فمعناه أن العلماء اختلفوا في تكفيره كذلك.
* إشكال
في كلام القاضي عياض:
ذكر القاضي
عياض رحمه الله أشياء صريحة في الكفر من السب والانتقاص، وذكر أن العلماء
اختلفوا
في تكفير مثل ذلك القائل دون أن يبين أنه فيما إذا كان لا يقصد معاني الألفاظ التي
تلفظ بها، وهذا ـ وإن كان معلوما من السياق ـ فالأولى البيان، ولعله سها عن ذلك لطول
العبارة، وأسأل الله الكريم أن يشملنا وإياه بواسع عفوه ومغفرته.
* كلام
مهم جدا:
ذكرتُ في
كتابي "تكفير من لا يستحق التكفير" أن اللفظ الصريح قد يُستعمل في صريح
محْكم لا يحتمِل إلا وجها واحدا، وقد يُستعمل في صريح يحتمِل أن يقصد القائل به
غير
المعنى الذي يُستعمل فيه عادة، فمِن الأول أي الصريح المحْكم قول الرجل مثلا "محمد
صلى الله عليه وسلم رجل عبقري جاء بأحكام وتشريعات أدت إلى رقي العالم لعدة قرون،
ولكن هذا الزمن هو زمان العلم والحاسوب والشبكة العنكبوتية فلا بد من تعديل تلك
الأحكام والتشريعات لاستمرار الرقي والتطور". وقلت فيه: فهذا كفر صريح
وردة سافرة
لا تحتمِل تأويلا، وكذا من قال إنه لا يؤمن بنبوة الأنبياء
المذكورين في القرآن الكريم عليهم
الصلاة والسلام، أو قال إن قصة إبراهيم وإسماعيل
عليهما السلام المذكورة في القرآن هي
قصة وهمية خيالية، أو إن الجنة والنار ليس
لهما حقيقة النعيم والعذاب وإنما يُراد بهما
الترغيب والترهيب فقط.
* وقلت
فيه كذلك: [مِن الصريح المحتمِل قول بعض الناس "ينساك الموت"، وقول
بعضهم "أنا لا أرحمك ولا أخلي الله يرحمك"، فهذه الكلمات ونحوها تحتمِل
أوجها من
التأويل].
* وقلت
فيه كذلك: نقلَ ابن نجيم عن الفتاوى الصغرى: "الكفر شيء عظيم، فلا أجعل
المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يُكفر". كما نقل رحمه الله عن الخلاصة
وغيرها:
"إذا كان في المسألة وجوهٌ توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير
فعلى المفتي أن
يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير، تحسينا للظن بالمسلم".
ثم قال ابن نجيم: "والذي تحرر:
أنه لا يُفتى بتكفير مسلم أمكنَ حملُ كلامه
على مَحْمِل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو
رواية ضعيفة". [البحر الرائق: 5/ 134
- 135]. وقد أخذ التمرتاشي قول ابن نجيم هذا
واعتمده. [تنوير الأبصار المطبوع مع
الدر المختار ورد المحتار: 3/ 297 - 298 طبعة
بولاق الثالثة]. ونقل الحصكفي عن
الدرر وغيرها مثل ما نقل ابن نجيم عن الخلاصة و
غيرها، وأقره. [الدر المختار: 3/ 298].
ونقل ابن عابدين عن ابن نجيم ما نقله عن
الخلاصة وغيرها، وأقره. ونقل عنه قوله
السالف الذي تحرر لديه، وأقره.
[رد المحتار: 3/ 293].
كما نقل ابن عابدين في
التعليق على عدم تكفير المسلم ولو لرواية ضعيفة عن خير الدين
الرملي أنه قال: "ولو
كانت الرواية لغير أهل مذهبنا، ويدل على ذلك اشتراط كون ما
يوجب الكفر مجمعا عليه".
وأقره. [رد المحتار: 3/ 298]. وقال شيخي زاده: "إذا كان
في المسألة وجوه توجب
التكفير ووجه واحد يمنعه يميل العالم إلى ما يمنع من الكفر، ولا
تـُرجح الوجوه على
الوجه". [مجمع الأنهر: 1/ 696].
* وقلت
فيه كذلك: قال الشيخ محمد عليش: "كيف وقد قالوا إن كان للتكفير تسعة وتسعون
وجها ولعدمه وجه واحد فإنه يُقدم ولا يُفتى بالكفر". [فتح العلي المالك: 2/ 358].
* وقلت
في ذلك الكتاب كذلك:
"ههنا
مسألة مهمة لا بد من التنبيه عليها، وهي أن الإيمان بالله تعالى ليس مجردَ معرفة
نظرية
بأن الله تعالى هو الرب الخالق العليم السميع البصير فحسب، ولو كانت المعرفة
المجردة
إيمانا لكان إبليس مؤمنا ولكان كثير من اللادينيين مؤمنين!، وهيهات، ولكن الإيمان
هو المعرفة مع الإذعان القلبي لله رب العالمين، ومن أذعن واستسلم لله تعالى بقلبه فلا
بد
أن يكون معظما لله، والذي ليس في قلبه تعظيم لله تعالى وملائكته وكتبه ورسله فليس
بمؤمن، والاستهزاء بما يجب تعظيمه من أركان الإيمان مناقض للإيمان، فمن ينطقُ
بكلمة
أو يأتي بفعل مع الاستهزاء بما يجب تعظيمه من أركان الإيمان فليس بمؤمن وهو
كافر ظاهرا
وباطنا".
ومما قلت
فيه: "يجب الحذر الشديد من التسرع في تكفير المسلمين، لأن من كفر مسلما
فقد
باء بهذه الكلمة أحدهما، إن كان المَقول له كافرا فقد لاقت محلها، وإلا رجعت على
القائل
إذا لم يكن القائل متأولا".
ومما قلت
فيه: "من قال قولا أو فعل فعلا يدل على كفر القائل أو الفاعل فإنه يُحكم عليه
بالكفر، فيُستتاب، فإن تاب فبها ونعمتْ، وإلا فإنه يُعامل معاملة المرتد، وهذا في
الحكم
قضاءً، وهذا ميدان عمل القاضي، أما فيما بين المكلف وبين الله تعالى فإنه إن
قصد بذلك
القولِ أو الفعلِ المعنى الكفريَّ الذي يدل عليه فقد كفر وخرج من الإسلام
وإن لم يقصد به
الخروجَ من الإسلام، إذ لا يُشترط لخروجِ المرء من الإسلام أن يقصد
الخروجَ منه، بل
المُشترَط هو أن يقصد المعنى الكفريَّ، فإذا لم يقصد المعنى
الكفري فجمهور العلماء لا
يرون تكفيره، فإنما
الأعمال بالنيات، وهذا في الحكم
ديانة، وهذا ميدان عمل المفتي".
ومما قلت
فيه: قال النووي في المنهاج: "الفعل المكفر ما تعمَّده، استهزاءً صريحا بالدين
أو
جحودا له كإلقاء مصحف بقاذورة وسجود لصنم أو شمس".
وقال الشيخ
محمد أمين الكردي المتوفى سنة 1332 من مشايخ الشافعية: "تنقسم الردة إلى
ثلاثة
أقسام، الاعتقادات والأفعال والأقوال، وحاصل تلك العبارات يرجع إلى أن كل عقيدة
أو فعل أو قول يدل على استهانة أو استخفاف بها مع القصد فهو ردة، وإلا فلا".
[تنوير
القلوب: ص 355].
* وكتبه
صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 22/ 9/ 1441، الموافق 15/ 5/ 2020، والحمد
لله رب
العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.