ـ روى الإمام البخاري في صحيحه من
طريق أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن
هرمز الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذي
يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار".
وروى
من طريق الأعمش أنه سمع ذكوان أبا صالح السمان يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار
جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سُما فقتل نفسه فسُمه في يده
يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده
يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
الحديث باللفظ الأول لا إشكال فيه،
وأما باللفظ الثاني فقد رواه الترمذي كذلك في السنن وأعل جزءا منه بقوله: [هكذا
روى غير واحد هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وروى محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال "من قتل نفسه بسُم عُذب في نار جهنم"، ولم يذكر فيه "خالدا
مخلدا فيها أبدا"، وهكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح، لأن الروايات إنما تجيء بأن أهل التوحيد يُعذبون في
النار ثم يُخرجون منها، ولم يُذكر أنهم يخلدون فيها].
ـ لا شك في أن الرواية الأولى هي
الأصح في رواية هذا الحديث، وأن الرواية الثانية التي فيها "خالدا
مخلدا فيها أبدا" فيها نظر، وأن هذا الجزء من الحديث قد أعله الإمام الترمذي
رحمه الله.
ـ الإمام البخاري رحمه الله أشار في
صحيحه إلى إعلال هذا الجزء، وذلك إذ روى الرواية الأولى التي لا إشكال فيها في باب
ما جاء في قاتل النفس من كتاب الجنائز، أما الرواية الثانية المتضمنة للفظ المعلول
فرواها في باب مناسب للفظة أخرى في هذا الحديث، وهو باب شرب السُم والدواء به من
كتاب الطب.
ـ مَن لا يعرف طريقة البخاري في صحيحه
فإنه قد يقول إن البخاري روى أن النبي صلى الله عيه وسلم قال "من
تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا" ويسكت على ذلك!، وهذا لا ينبغي إلا مع
التنبيه إلى أن البخاري رواه وأشار إلى إعلاله.
فرحمة
الله على هذا الإمام الجليل محمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ، ما أدقَّ ملحظه.
وكتبه
صلاح الدين الإدلبي في 7/ 12/ 1439، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.