الإسلام بالمعنى اللغوي:
الإسلام في لغة العرب هو الخضوع والانقياد، وكل الأنبياء والمرسلين
من الله جل وعلا كانوا خاضعين لله منقادين لحكمه، وفي هذا السياق تأتي الآيات
القرآنية الكريمة التالية وغيرها:
قال الله عز وجل: {وله أسلم مَن في السماوات والأرض طوعا
وكرها وإليه يرجعون}.
وقال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}.
وقال تعالى: {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبُر
عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا
يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلي ولا تنظِرونِ. فإن توليتم فما سألتكم من أجر،
إن أجري إلا على الله، وأمِرتُ أن أكون من المسلمين}.
وقال تعالى إرشادا للحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يقول: {إنما
أمِرتُ أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء، وأمِرتُ أن أكون من
المسلمين، وأن أتلوَ القرآن، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فقل إنما
أنا من المنذِرين}.
وقال تعالى: {ومن يرغبُ عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسَه، ولقد
اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين. إذ قال له ربه أسلم، قال
أسلمت لرب العالمين. ووصى بها إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ يا بني إن الله اصطفى لكم
الدين، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموت، إذ
قال لبنيه ما تعبدون من بعدي؟، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}.
وقال تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: {أنت وليي في الدنيا
والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين}.
وقال تعالى: {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا
إن كنتم مسلمين}.
وقال تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال مَن أنصاري إلى الله؟،
قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون، ربنا آمنا بما
أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}.
وقال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزِل إلينا وما أنزِل إلى
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من
ربهم، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون}.
وقال تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، فأتبعهم فرعونُ وجنوده
بغيا وعَدْوا، حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو
إسرائيل وأنا من المسلمين}.
قال الإمام الطبري المتوفى سنة 310 رحمه الله في تفسيره موضحا قولَ
فرعون: "آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين
له، المنقادين بالذلة له، المعترفين بالعبودية".
فالأنبياء والرسل كلهم كانوا يدْعون إلى الإيمان بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر وعبادة الله عز وجل والخضوع له والانقياد لحكمه.
فمن قال إنهم كانوا مؤمنين مسلمين بمعنى الخضوع لرب العالمين ومن أهل
الجنة فهذا صحيح، لكن هل يُسمون مسلمين بالمعنى الاصطلاحي؟!، هذه نقطة اختلاف، ولكنه
لا يضر، لأنه مجرد اختلاف في التسمية، ولكن الراجح أنهم مسلمون بالمعنى اللغوي،
وأما بالمعنى الاصطلاحي فلا.
متى يتحقق معنى الإسلام لله؟:
الذين آمنوا بالله جل جلاله وبرسله الذين وصلتْ إليهم رسالاتهم
وبالكتب الإلهية المنزلة على أولئك المرسلين عليهم صلوات ربي وسلامه مع العمل بما
فيها هم مستسلمون لله خاضعون له منقادون لحكمه.
فاليهود الذين آمنوا بالله وبرسله وبسيدنا موسى عليه السلام
وبالتوراة التي أنزلها الله عليه مع العمل بما فيها هم من المستسلمين لله الخاضعين
له المنقادين لحكمه، ويستمر هذا الحكم لهم إلى مجيء سيدنا عيسى عليه السلام
ورسالته، فمن آمن به وبالإنجيل الذي أنزله الله عليه فهو مؤمن، ومن كفر به
وبرسالته فليس بمؤمن، لأنه لا يتحقق فيه أنه آمن برسل الله تعالى وكتبه.
وبعد بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لا يتحقق إيمان أحد
وإسلامه ـ إذا بلغتْه الدعوة ـ إلا أن يؤمن به نبيا ورسولا للعالمين وبالقرآن
كتابا منزلا من الله تعالى عليه مع العمل بما فيه.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل
وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا، وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم
برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات
تجري من تحتها الأنهار}.
فالذي أدركتْه رسالة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن
به نبيا رسولا من عند الله وخاتم النبيين والمرسلين فلا ينطبق عليه أنه آمن برسل
الله، لأنه استثنى منهم واحدا، وهو إمامهم وأفضلهم.
وقال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لـَمَا آتيتكم من كتاب
وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على
ذلكم إصري؟، قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}.
وقال تعالى مخاطبا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم: {قل أي شيء
أكبر شهادة؟، قل الله شهيد بيني وبينكم، وأوحِي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومَن
بلغ، أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى؟، قل لا أشهد، قل إنما هو إله واحد،
وإنني بريء مما تشركون. الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}.
قف عند الآية الكريمة {لأنذركم به ومن بلغ}، فكل من بلغه القرآن
وبلغتْه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم صافية غير مشوهة ولم يؤمن به صلى الله عليه
وسلم نبيا ورسولا إليه ولم يؤمن بالقرآن كتابا منزلا من عند الله فليس بمؤمن، لأنه
ليس مستسلما لله جل وعلا وليس خاضعا له ولا منقادا لحكمه.
وقال تعالى: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا
لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب
السبت، وكان أمر الله مفعولا}.
فأهل الكتاب الذين آمنوا بكتب الله المنزلة على المرسلين صلوات الله
عليهم ولم يؤمنوا بالكتاب المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن
الكريم لا ينطبق عليهم أنهم آمنوا بكتب الله المنزلة، لأنهم استثنوا منها واحدا، ألا
وهو القرآن الكريم، وهو المصدق لما بين يديه من الكتب الإلهية والمهيمن عليها.
وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرِجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بالله، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم، منهم المؤمنون
وأكثرهم الفاسقون}.
قف عند قوله تعالى {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم}، ولو كانوا
بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يُعدون مؤمنين إيمانا صحيحا لكان يكفيهم
ما هم عليه من الإيمان ولَمَا قال ربنا عز وجل {ولو آمن أهل الكتاب}.
وقال تعالى {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله}، أي على كل الأديان، وقد أيَّد الله تعالى المؤمنين بالنصر وأظهر دين الإسلام
على الأديان كلها، ومن تلك الأديان اليهودية والنصرانية. فتلك أديان مغايرة لدين
الإسلام.
وقال تعالى: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ
لكم الإسلام دينا}.
وقال تعالى: {ورحمتي وسعتْ كل شيء، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون
الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه
مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فالذين
آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.
وهذه بعض الأحاديث النبوية في هذا المعنى:
روى البخاري [3456، 7320] ومسلم [6875] عن أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتتبعُنَّ سَنَن مَن قبلكم، شبرا
بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جُحر ضب لسلكتموه". قلنا: يا رسول الله!،
اليهود والنصارى؟!. قال: "فمن؟!".
وروى البخاري [3167] ومسلم [4613] عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
بينما نحن في المسجد خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "انطلقوا إلى يهود".
فخرجنا، حتى جئنا بيت المدراس فقال: «أسلموا تسلموا". لو كانوا مسلمين فلمَ
قال لهم "أسلموا"؟!.
وروى مسلم في صحيحه [303] وابن حنبل في مسنده [8203] من طريقين عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد
بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسِلت
به إلا كان من أصحاب النار".
ورواه البزار [3050] والرُّوياني [526] عن أبي موسى الأشعري عن النبي
صلى الله عليه وسلم به نحوه.
وروى عبد الرزاق في المصنف [9985، 19365] وابن حنبل [201] ومسلم في
صحيحه [4616] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما».
لو كانوا مسلمين فلمَ قال إنه سيخرجهم من جزيرة العرب؟!.
فمن قال إن أهل الكتاب بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الذين
بلغتهم دعوته نقية صافية ولم يؤمنوا بنبوته ورسالته وبالقرآن الكريم، من قال إن
هؤلاء مؤمنون إيمانا صحيحا مقبولا عند الله فقد خالف كلام الله تعالى وكلام رسوله
عليه الصلاة والسلام وخرج من دين الإسلام.
ألا هل بلغت،؟!، اللهم فاشهد.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 3/ 6/ 1442، الموافق 16/ 1/ 2021،
والحمد لله رب العالمين.